الثورة – يمن سليمان عباس:
ثمة قناع سميك من التضليل الذي قد يستمر طويلاً وفرته الشاشة الزرقاء.. ولم تعد مقولة حبل الكذب قصير صالحة تماماً، لكنها تغيرت إلى القول: إن حبل الكذب يطول.
امرأة تكتب على صفحتها أنها طلبت صداقة زوجها الذي لا يعرف ألف باء المحبة معها طلبته باسم آخر.. كم راقها أنه وراء الشاشة مهذب حنون رائع.. حتى قالت ساخرة.. تمنيت لو كان زوجي.
لقد وفرت الشاشة الزرقاء مساحيق تجميل لا تنتهي.. هذه المساحيق كانت موضوع دراسة تحت سؤال مفاده: ماذا لو كان كل ما تظن أنك تعرفه عن سلوك الإنسان محل نقاش؟ كتاب “الكل يكذب” البيانات الضخمة والبيانات الحديثة وقدرة الإنترنت على اكتشاف الخفايا”، يبحث في هذا المحيط اللجب من التضليل، ويبحر مؤلفه سيث ستيفنز دافيدوفيتز، العالم السابق في بيانات جوجل، في تحليل رائد لكيفية كشف الكم الهائل من البيانات التي يتم إنتاجها من خلال أفعالنا على الإنترنت عن مزيد من المعلومات عنا أكثر مما كان يمكن تصوره، يكشف هذا الكتاب عن طبقات النفس البشرية من خلال استكشاف مثير للحقائق التي نبوح بها في زوايا الإنترنت المظلمة.
(يجادل ستيفنز دافيدوفيتز بأن الطرق التقليدية لجمع البيانات، مثل الاستطلاعات والاستبيانات، غالباً ما تكون غير موثوقة، إذ يميل الأشخاص إلى الكذب، أحياناً من دون وعي، عن مشاعرهم وسلوكياتهم الحقيقية، من ناحية أخرى، توفر البيانات الضخمة، وخاصة تلك المستخرجة من عمليات البحث على الإنترنت المجهولة، صورة أدق عما يفكر فيه الناس ويفعلونه حقاً.. على سبيل المثال، يستخدم عمليات البحث في جوجل لقياس العنصرية في مناطق مختلفة من الولايات المتحدة، ما يكشف عن خريطة دقيقة ومقلقة للتحيز العنصري أكثر من أي استطلاع أو دراسة سابقة.
يأخذنا المؤلف في كتابه عبر جوانب مختلفة من الحياة حيث ألقت البيانات الضخمة الضوء على حقائق مخفية، من السياسة إلى الجنس، من الصحة العقلية إلى إساءة معاملة الأطفال، تكشف البيانات الضخمة عن أنماط وحقائق غالبًا ما تكون صادمة ولكنها دائماً ما تكون مضيئة.
على سبيل المثال، أظهر تحليل مصطلحات البحث المتعلقة بالاكتئاب الأوقات والظروف الخاصة التي يكون فيها الأشخاص أكثر عرضة للمعاناة من مشكلات الصحة العقلية، ما يتيح التدخلات المستهدفة بشكل أفضل.
ولا يقتصر ستيفنز دافيدوفيتز على وصف نتائجه فحسب، بل يتعمق أيضاً في تداعيات هذه المعرفة الجديدة.. يناقش الاعتبارات الأخلاقية للبيانات الضخمة، بما في ذلك مخاوف الخصوصية وإمكانية الاستخدام السيئ، علاوة على ذلك، يوضح كيف يمكن استخدام البيانات الضخمة لتحسين المجتمع، مقترحاً طرقاً يمكن أن تساعد في مكافحة مشكلات مثل عنف الشرطة أو تحسين استراتيجيات الصحة العامة من خلال فهم السلوكيات والمواقف الحقيقية، بدلاً من تلك المبلغ عنها.
وحسب الدراسات التي تناولت البحث فإن “الكل يكذب” ليس مجرد مجموعة من الإحصاءات والدراسات، إنه سرد مقنع يطرح تساؤلات حول افتراضاتنا حول مقدار ما نعرفه حقاً عن أنفسنا وعن بعضنا البعض، يتحدى الكتاب القراء للتفكير في كيفية استخدام الكميات الهائلة من المعلومات المتاحة لنا في عصر الرقمنة بطريقة مسؤولة ومبدعة، ليس فقط لفهم طبيعة الإنسان بشكل أفضل ولكن لتحسين المجتمع الإنساني ككل، يعتبر هذا الاستكشاف قراءة ضرورية لكل من يهتم بتقاطع التكنولوجيا وعلم النفس وعلم الاجتماع، مقدماً لمحة مغرية عن مستقبل فهم السلوك البشري من خلال البيانات.
والسؤال: هل من صدمة تعيدنا إلى الواقع.. هل نعيش عصر الكذبة الكبرى وكل منا يزج بما لديه فيها..؟