الملحق الثقافي- رفاه الدروبي:
كثيراً ما تشدّنا عتبات الكتب والنصوص وتجذبنا لمتابعة القراءة ومعرفة مفاتيح الأفكارالغامضة، فنتساءل عن دورها كونها تشمل: التقديم، الإهداء، الغلاف، كلمة الغلاف، وحتى مَنْ يُقدِّم من، ولماذا يلجأ بعض المؤلفين والمبدعين إلى الاستعانة بمن يقدِّم لهم؟
المضمون في المقدّمة
المدير العام للهيئة العامة السورية للكتاب الدكتور نايف الياسين بيَّن بأنَّ عتبات الكتب إذا كانت دراسة بحثية فالمقدّمة تعطي مضمون الكتاب وتبرزأسباب تأليفه واختيارالمؤلف للموضوع، وربَّما نبذة عن الكتاب، وتكون بعض المقدمات مقبولة بحيث من يقرؤها يأخذ فكرة عن مضمونه وماينبغي للمقدّمة أن تفعله، ويحتوي جسم الكتاب على فصول كما تشكِّل الخاتمة خلاصته ويعمد المؤلف إلى توجيه تركيز القارئ لما يحتويه الكتاب والرسالة المراد إيصالها، ويلجأ المؤلفون إلى صديق أو كاتب أكثر خبرة في الكتب الإبداعية فيما إذا كان المؤَلف ديوان شعر أو رواية ليكتب له مقدمة الكتاب كي يعطي وزناً أكثر للمؤلَّف، ويكون بعض التقييم لتجربة الشاعر أقرب إلى دراسة انطباعية نقدية غير منفصلة عن الديوان.
وأشار الدكتور الياسين إلى أنَّ الإهداء شئ مختلف ولا تحتوي كل الكتب عليها لكنّه أمر يختاره المؤلف فهناك في الكتب المنشورة من قبل دورالنشر الغربية قسمان: الأول يمكن للمؤلف أن يهدي الكتاب لذويه أو أبنائه أو أبويه أو لرفيق أو لروح صديق عزيز وتكون بسطر أو بسطرين، والقسم الآخر يمكن أن يُوجِّه شكراً وامتناناً، ويسرد المؤلف جميع الأشخاص ممَنْ ساعدوه في تأليفه من زملاء باحثين أو جامعات قدَّمت منحاً كي يتمكَّن من إكمال كتابه، أو زملاء راجعوا مخطوط الكتاب وقدَّموا دراسة نقدية راجعة لها ومن ساعدوه بتنضيده ومراجعة المسودات العديدة له، مبيِّناً أنَّ هناك في دور النشر أيضاً محرراً يُكلَّف بالإشراف على الكتاب وله دور كبير ويطلب من المؤلف حذف أو إعادة ترتيب مواده وصياغتها والتدقيق اللغوي، ونجد كثيراً من المؤلفين يوجِّهون شكراً لهم وينطبق على الكتب الإبداعية والدراسات والأبحاث.
ثم انتقل إلى عتبة أخرى وتكون بالعنوان ويمكن أحياناً أن يكون للمؤلف رأي وللناشر اقتراح لتغييره لأنَّه ينشر الأمر من منظور يختلف عن المؤلف فمن مصلحته تسويق الكتاب وربَّما لايهمُّ المؤلف بل الناشر بحيث يجب أن يكون جذاباً يلفت نظر القارئ أو يكون ساخراً واعتبره أداة من أدواة التسويق ويلفت النظر ويحفّزعلى قراءة الكتاب، وتدخل عوامل عدة لوضع العنوان وربَّما يكون هناك عنوانان. الأول رئيسي والثاني فرعي ومختصر عن محتوى الكتاب ويُعرِّف القارئ بمحتواه ومضمونه من عنوانه.
بينما انتقل إلى كلمة الغلاف وأشار إلى أنَّ دور النشر تطلب في كثير من الأحيان من المؤلف تدوين الكلمة وربّما يتفق أو لايتفق معه، وتكون الكلمة الفصل لأنَّه مسؤول عن الكتاب مسؤولية كلية، لافتاً إلى أنَّ بعض دور النشر الغربية تقوم عادة بإرسال طبعة أولى تجريبية لعدد من النقاد أو الأدباء أو المحررين الأدبيين في الصحف كلٍّ وفق اختصاصه حسب مضمون الكتاب وتقدّم آراء موجزة لهؤلاء بحيث تظهر على الغلاف الداخلي للكتاب، كما يتضمن عدداً من العتبات الإيجابية كوسيلة من وسائل الغلاف تلعب دوراً وطريقة التصميم كلها ذات صلة بمحتوى الكتاب وتسهم بالترويج له.
غابت في المخطوطات القديمة
بدوره الدكتور نزار بني المرجة رأى بأنَّ عتبات الكتب أصبحت تُشكِّل أحد العوامل المهمة لانتشار الكتب والتعريف بها بشكل موجز وتعطي انطباعاً سريعاً، والأمر ذاته لم يكن متوفراً في المخطوطات العربية القديمة ولم تثر الانتباه إليها إلا في فترة متأخرة عندما أصبح هناك تلوين للكتب والاعتناء بالخط والتنسيق بالمخطوطات. كانت البداية الأولى لما تسميه بعتبات الكتب أو النصوص فالغلاف يلعب دوراً كبيراً وتأخذ الصورة أهميَّة شيئاً فشيئاً في حياتنا وأصبحت أمراً واقعاً لايمكن تجاهله أبداً كما يعطي الغلاف انطباعاً سريعاً جداً ويمكن أن يوجهنا للمحتوى أو المضمون وربَّما يعكس رأياً للمؤلف يريد أن يوصله إلينا بسرعة قبل الدخول إلى النص الموسع أو المكتوب وله دلالات ربما تكون لأشخاص ولكن مجرد العلاقة بين المؤلف والشخص يدلُّ على أنّ هناك محبة بينهما والمسألة لايمكن تجاهلها وبالتالي أصبحت عتبات الكتب والنصوص تشكِّل مدخلاً موجزاً ومختصراً وسريعاً أو مفتاحاً لفهم مضمونه ويجب العنايه بها كثيراً.
كما أشار الدكتور بني المرجة إلى أنَّ كثيراً من المؤلفين يلجؤون إلى فنانين تشكيليين لتصميم الغلاف وهناك مؤلفون يختارون أغلفة كتبهم من إنجازاتهم وعملهم ويكونون أصحاب مواهب فنية أو تصوير، منوِّهاً بأنَّ أغلب أغلفة كتبه من تصميمه وصارت تُشكِّل جزءاً مهماً لايستهان به وخاصة فيما يتعلق بنقده وتقييمه والمسألة ذاتها تؤثر لأنَّها تعطي حكماً أو انطباعاً مبدئياً عن الكتاب ويجب أن تكون جديرة باهتمام المؤلف.
المقدمات مجاملات
من جهته المخرج والناقد السينمائي والشاعر علي العقباني تناول حديثه بأنَّ العديد من الكتَّاب سواء أكانوا شعراء أم أدباء أم روائيين أم حتى بعض الكتب ذات المضمون الفكري أو الفلسفي يستهلُّون أعمالهم بإهداء ما ولاغبار عليه وليس لفضل عليه بمكان ما، لافتاً إلى أنَّ البعض الآخر يلجأ إلى تقديم العمل القصصي أو الشعري كاستهلال أو يجب تقديم نفسه من خلال اسم نقدي معروف بأنَّ النص الإبداعي قُرئ من قبل شخص له اسم وباع وهناك بعض المؤلفين بحاجة لمن يقدِّمهم كشاعر قدَّم ديوانه الأول فعندما يقدِّم له شاعر على مستوى عالٍ يعطي مسافة أمان للعبور إلى الوسط الثقافي أو الشعري، وتخضع المسألة لبعض المجاملات والشخصنات أكثر من المقدمة ذات المضمون النقدي ولا أحد يقدّم رأياً نقدياً لعمله القصصي ويهجو المجموعة أو يحطّ من مكانتها وتكون من باب المديح أو المجاملة غالباً، ولايمكن أن نقرِّر مدى صحتها أو خطئها بالمعنى العام ولكن الإكثار منها حالة عامة وليست صحية.
العقباتي أكَّد على أنَّ الشعراء الشباب كان يقدِّم لعتبات كتبهم في فترة السبعينات من القرن الماضي أدباء كبار أمثال شوقي بغدادي وممدوح عدوان، لكن النص الإبداعي نفسه لابدَّ أن تكون عتبته بدون أن يقدِّم لها أحد، وليس بالضرورة أن تكون سيئة أو جيدة وطريقة الكتاب المقدم لها من قبل المؤلف، أمَّا الاهداء فيكون لشخص ذي فضل على الكاتب في لحظة كان يحبو فوقف إلى جانبه وأصبح عُرفاً، وأحياناً يكون الإهداء جزءاً من النص الأدبي، ولا يشكر المؤلف أحداً وإنَّما جزء من النص الأدبي ويكون مختلفاً عن العرف الكلاسيكي.
العدد 1187 –30-4-2024