الثورة – دمشق – ميساء العلي:
لطالما كان توجه الدولة منذ سنوات نحو المشاريع الصغيرة كحامل للاقتصاد السوري ووضعت وأُسست لأجل ذلك المؤسسات والهيئات المطلوبة، لكن غياب الهيكليات الإدارية السليمة حال دون تحقيق الغاية المطلوبة لناحية وجود بيئة متكاملة على مستوى الخطط والإدارات والبنية المطلوبة.
ولذلك كان اجتماع السيد الرئيس بشار الأسد منذ قرابة الشهرين لبحث السياسات المتعلقة بدعم وتنمية المشروعات الصغيرة التي تشكل أساس اقتصادات معظم دول العالم، لكونها تؤثر مباشرة بالمستوى المعيشي والقدرة الإنتاجية للشرائح الاجتماعية التي تزاول هذه المشاريع.
إذاً كان الهدف من الاجتماع الحكومي المصغر حينها تحديد الغايات والأهداف العامة للانتقال بعدها إلى رسم السياسات ووضع الخطط والبرامج التنفيذية، بالتوازي مع بناء سجل وطني للمشروعات يتضمن دليل هذه المشروعات وتصنيف الأنشطة الاقتصادية.
يقول أستاذ التحليل الاقتصادي بكلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور عابد فضلية في حديثه لـ”الثورة”: إن المشاريع العائلية متناهية الصغر والمشاريع الضخمة الكبرى ذات أهمية كبيرة في أي اقتصاد، والوضع الذي يحقق ويضاعف أهميتها هو وجود مشروعات متوسطة وصغيرة الحجم التي يجب التركيز عليها، كما أشار إليها السيد الرئيس بشار الأسد منذ فترة قريبة، فهذه المشاريع فيها متناقضان، الأول: إمكانية تملكها رأس المال اللازم لعملها كونه صغيراً ومتوفراً نسبياً، والثاني صعوبة حصولها على ما تحتاجه من رأس مال لمباشرة أعمالها وتطوير نشاطها من جهة أخرى.
ويضيف فضلية في حديثه “لذا فإننا نصنف هذه المشاريع (مع النظر إلى الواقع) بأنها مشاريع عائلية، وهذا لا يعني التقليل من شأنها بل الإشارة إلى ضرورة انتقالها بشكلها القانوني إلى المساحة الرسمية الأوضح”.
ويتابع كلامه بالقول: إن المشاريع المتوسطة والصغيرة هي التي يمتلكها متوسطو المالكون (أي متوسطو الدخل)، كما أنها تعتبر من محركات العملية الإنتاجية، فيحركها ما قبلها وهي بدورها تحرك ما بعدها من أنشطة اقتصادية.
ورأى فضلية أن هناك عدة مقترحات لتحسين هذا القطاع، منها على سبيل المثال تسهيل الترخيص الصناعي والحرفي، وتوحيد جهات التخطيط والترخيص والإشراف والرقابة في مجالي المؤسسات الصناعية والحرفية، وإعادة النظر بكل التشريعات النافذة وبتكوين حدود مسؤوليات الجهات القائمة حالياً بمعنى إيجاد جهة واحدة تُشرف على هذا القطاع.
البعض من الاقتصاديين يطالبون أن يكون لهذا القطاع وزارة خاصة ومستقلة لرعاية ودعم هذا النوع من المشروعات لتسهيل عمليات التأسيس وممارسة الأعمال ثم المساعدة في التمويل وابتكار الضمانات غير التقليدية لهذا التمويل- على حد تعبير الدكتور عامر خربوطلي- الذي يرى أن الوزارة المقترحة ليست إضافة للهياكل الإدارية الموجودة بل توحيد لها في إطار رؤية مستقبلية موحدة تمتلك جميع الإمكانيات المالية والمادية والفكرية والإبداعية لتضع هذه المشروعات في سكتها الصحيحة.
ونحن نسأل بدورنا لماذا لم نستطع حتى اليوم أن نُفعل الكثير من المشاريع الصغيرة والمتوسطة ولاسيما في المجال الزراعي رغم توفر أكثر من ٧٠% من عوامل النجاح، وإصدار العديد من القوانين والتشريعات لدعم هذا القطاع الحيوي في اقتصادنا؟.. ولماذا لم نستطع أيضاً أن نبدد مخاوف العديد من أصحاب تلك المشاريع لجهة التمويل وضمان أي مخاطر متوقعة؟، وقد يكون السؤال الأكثر إلحاحاً ما هي الأسباب وراء توقف ٤٠% من المشروعات الصغيرة والمتوسطة عن العمل- بحسب تصريحات سابقة لمدير هيئة المشروعات الصغيرة والمتوسطة سابقاً- دون البحث عن الحلول رغم إطلاق مؤسسة ضمان مخاطر القروض لدعم تلك المشاريع؟
قد تكون الإجابة أنه حتى وقتنا الراهن لا يوجد جهة واحدة تُشرف على هذا القطاع، وهذا ما يجعل أصحاب تلك المشاريع تائهين بمشكلات تعدد الجهات عند التأسيس لمشاريعهم مهما كان حجمها وطبيعتها جراء الروتين، فرغم صدور الدليل التعريفي الوطني للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ودخوله حيز التطبيق، إلا أن الأولويات ما زالت غير واضحة.
اقتصادياً يكاد يجمع علماء الاقتصاد وخبراؤه على أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة هي كلمة السر في تنمية الاقتصاد، أي اقتصاد، فهي تلعب دوراً محورياً في محاربة مؤشري الفقر والبطالة وتمكين الفئات المحتاجة من إقامة هذه المشاريع، لذلك نحن اليوم أمام اختبار حقيقي لواقع المشروعات الصغيرة والمتوسطة الذي لطالما تحدثت عنه الحكومة ووضعته في سلم أولوياتها وخصصت به نسبة من الموازنة العامة للدولة لأنها تدرك تماماً أن تلك المشاريع إذا ما نجحت ستستقطب العدد الأكبر من اليد العاملة ناهيك عن إسهامها في زيادة إيرادات الضرائب والرسوم على منتجاتها.
وختام الكلام بمقولة مشهورة كان يرددها على الدوام المهاتما غاندي للاقتصادي الألماني شوماخر “كل ما هو صغير جميل” وهذا ما جعل الهند تحفر بصمة لها بين دول العالم في تجربة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وهذا يجب أن يكون دافعاً لنا لدعم هذا القطاع الذي يعتبر أساس مستقبل الاقتصاد السوري للمرحلة القادمة.