الثورة – ترجمة رشا غانم:
منذ اندلاع عدوان الكيان الإسرائيلي في تشرين الأول الماضي، قتل أكثر من 35000 فلسطيني في غزة، ويواجه مئات الآلاف المجاعة، وفي حين أنّ العالم يصرخ من أجل وقف إطلاق النار، لكن استجابة بعض الدول الغربية الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة، كانت باردة ولا مبالية، وفي بعض الحالات، متناقضة.
تفاقم الوضع أكثر في الجامعات الأمريكية، حيث تشير الأحداث الأخيرة لوجود اتجاه مقلق في قمع الحريات المدنية، ففي جامعة كولومبيا، أشعل قرار الإدارة باستدعاء الشرطة لتفكيك معسكر احتجاج طلابي حركة وطنية، وأدى هذا الإجراء إلى اعتقال أكثر من 100 متظاهر، ما أثار احتجاجات تضامنية في حوالي 40 مؤسسة للتعليم العالي.
هذا ولم يكن رد فعل السياسيين الأمريكيين وبعض سلطات الدولة داعماً، فقد تم إلقاء القبض على أكثر من 700 شخص، فاستخدم ضباط الشرطة المحلية، المجهزون بمعدات مكافحة الشغب، الرصاص المطاطي وصاعق كهربائي والغاز المسيل للدموع ضد الطلاب العزل، كما تم استخدام هذه القوة المفرطة بشكل ملحوظ في جامعة إيموري، حيث أظهرت اللقطات الشرطة وهي تستخدم صاعقاً كهربائياً على طالبة أمريكية من أصل إفريقي مقيدة، فصدمت مثل هذه الصور الكثيرين، ما سلط الضوء على إساءة استخدام شديدة للسلطة.
اختار الطلاب الأمريكيون، الذين يدركون تداعيات الإبادة الجماعية للأعمال في غزة، الاحتجاج السلمي للتعبير عن مخاوفهم، فمناشداتهم من أجل السلام تقابل بالعداء من حكومتهم ومؤسساتهم التعليمية، وهي مفارقة مريرة في أمة تفتخر بحرية التعبير وحقوق الإنسان، كما ترسم هذه الأحداث تناقضاً صارخاً مع روايات حكومة الولايات المتحدة عند معالجة النزاعات الدولية، فغالباً ما أطلقت الولايات المتحدة على نفسها اسم المدافع عن الحرية، ولكن عندما يطالب مواطنوها بهذه الحرية نفسها للاحتجاج على المظالم في الخارج، فإن الرد هو القمع، والنفاق الصارخ.
في عام 2019، خلال احتجاجات هونغ كونغ، وصف السياسيون الغربيون مثيري الشغب بأنهم “مقاتلون من أجل الحرية”، على الرغم من تكتيكاتهم العنيفة، وفي تناقض صارخ، سرعان ما رفض بعض السياسيين الأمريكيين المتظاهرين المسالمين في الجامعة الأمريكية، الذين خيموا فقط وعبروا عن معارضتهم دون عنف، ووصفوهم بأنهم “مثيري شغب”، فيكشف هذا التناقض عن معايير مزدوجة مقلقة في سياسة الولايات المتحدة تعطي الأولوية للمصالح الجيوسياسية على حقوق الإنسان الأساسية.
يجب على الجمهور الأمريكي أن يتساءل عن سبب مواجهة المتظاهرين السلميين الذين يدافعون عن وقف إطلاق النار في أرض بعيدة بمثل هذا العداء في الداخل، ولماذا يترجم النداء من أجل السلام إلى “فتنة” في نظر بعض صانعي السياسة؟ تؤدي الإجابة دائماً إلى الشبكة المعقدة للعلاقات الدولية والحقائق غير المريحة حول أهداف السياسة الخارجية الأمريكية.
وبينما يواجه الشباب الأمريكي الهراوات والغاز المسيل للدموع، يتجاوز كفاحهم القضية الفورية لسياسة الشرق الأوسط، وتصبح معركة أوسع من أجل روح الديمقراطية، وتتساءل عما إذا كانت الأمة ترقى حقاً إلى مستوى مثلها الأعلى في الحرية والعدالة للجميع، فقد تكون هذه اللحظة في التاريخ الأمريكي نقطة تحول، إنها تمثل فرصة للاستبطان وربما إعادة تقييم لكيفية تعامل الولايات المتحدة مع الحريات المدنية المحلية وحقوق الإنسان الدولية.
إن المتظاهرين الشباب، في مرونتهم، لا يدافعون عن الحقوق الفلسطينية فحسب، بل يحرسون أيضاً بشدة المثل الديمقراطية التي تشكل أساس الولايات المتحدة الأمريكية.
لا ينبغي النظر إلى تصرفات هؤلاء الطلاب على أنها مجرد حاشية في الملحمة الجيوسياسية المعقدة للشرق الأوسط، وبدلاً من ذلك، يجب أن تكون بمثابة جرس إنذار لكل من يؤمن بالديمقراطية، فعندما تفشل الحكومة الأمريكية في حماية الحق في الاحتجاج السلمي، فإنها لا تخون مواطنيها فحسب، بل تقوض أيضاً مكانتها الأخلاقية في العالم، وبينما يواصل المجتمع الدولي السعي إلى إنهاء حرب الكيان على فلسطين، يجب على الولايات المتحدة التوفيق بين أفعالها المحلية وخطابها العالمي، وينبغي أن تسترشد الطريق إلى الأمام بمبادئ الإنصاف واحترام حقوق الإنسان والالتزام الثابت بالقيم الديمقراطية.
المصدر – تشاينا ديلي