كل شيء محسوب على أساس سعر صرف الدولار ومواكب له بمقدار السنت الواحد، إلا المداخيل والأجور فهي بالعملة المحلية مهما نخرها التضخّم، ومهما تراجعت قدرتها الشرائية لأن الالتزام مع الموظف (كما حاججني أحد حملة الأقلام الخضراء ذات نقاش) كان قائماً على أساس مبلغ كذا ألف ليرة شهرياً والالتزام لم يتغيّر..!!
خمس إن لم يكن عشر وظائف برواتبها وأجورها غير قادرة على توفير المستلزمات المدرسية قبل بدء العام الدراسي، وغير قادرة على النهوض بحاجات عيد يعتقد الأطفال أنه يجلب السعادة، فما بالك بقدرتها على تأمين حياة المواطن ومتطلبات الحد الأدنى من الحياة خلال ثلاثين يوماً من أيامه المنخورة بالهواجس من الغد وما يحمله معه من غلاء وربح فاحش للتجار..!!
المشكلة أن الأمور لا تقف عند هذا الحد بالغ السوء، بل تتفوق على نفسها كل شهر وأسبوع ويوم، في وقت يقف فيه المواطن عاجزاً لا حول له ولا قوة أمام قوى تجارية عاتية تحرّك السوق لا تبقي ولا تذر، وليس من رقيب أو حسيب عليها، تحدد مقادير الربح وتقررها وتحصّلها من المواطن الذي بات مدرّباً على تكييف نفسه مع القليل سابقاً مروراً بأقل القليل وصولاً الى العدم واللاشيء حالياً.
الحالة تجاوزت الركود ودخلت وبقوة في مرحلة الكساد المنتهي بالموت الاقتصادي تبعاً لتوقف الإنتاج والموت السريري للصناعة والزراعة وتراجع كل مؤشرات الحياة الاقتصادية، ما يعني أن الوضع بحاجة لمبادرة حقيقية من الحكومة وليس من الضروري أن تكون شاملة لكل القطاعات، بل يمكن أن تكون المبادرة واقعية منطقية بحيث يتم تولي الإشراف على كل قطاع بالترتيب واحد تلو الآخر بحيث يتم إنعاش هذا القطاع، وتركه ليقوى ويشتد عوده، وفي هذه الأثناء يتم تولي القطاع الآخر وعلى ذات الخطوات وهكذا دواليك..
السوري صابر متحمّل وذو جلد على العمل والإنتاج، وميادين العمل في كل دول المقصد هجرة أو غربة أو لجوء تشهد له بالكفاءة والإبداع، فليس من المنطقي أن يكون لكل الدنيا نصيب من إبداعه إلا وطنه، وعليه فلتكن فرصة تُمنح لسورية وللسوري على حد سواء للتثبيت والنمو مجدداً..