الثورة – ترجمة رشا غانم:
تُظهر زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للصين وهي أول رحلة خارجية له منذ انتخابه رئيساً في آذار على مدى السنوات الست المقبلة- أعلى مستوى من التعاون الروسي الصيني.
يُذكر أنّ الصين هي أهم شريك اقتصادي وسياسي لروسيا، حيث تجاوز حجم تجارتها الثنائية 240 مليار دولار في عام 2023، وعلى الرغم من الوضع الجيو-سياسي الصعب، لم تحافظ الشركات الصينية على وجودها فحسب، بل زادت أيضاً من استثماراتها في روسيا، والسيارات الصينية، بما في ذلك السيارات الكهربائية، ومعداتها ومكوناتها هي من بين المنتجات الأكثر طلباً في السوق الروسية بعد فرار الشركات الأوروبية والأمريكية واليابانية وغيرها من الشركات في البلاد.
وأهم شيء هو أن دعم الصين لروسيا خلال فترة صعبة للغاية ساعد السلطات الروسية على الحفاظ على النشاط الاقتصادي الطبيعي تقريباً وتحقيق النمو الاقتصادي، وبالتالي الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في البلاد.
ومن جهتها، تدعم روسيا الصين على الساحة العالمية، ولاسيما في المنظمات الدولية والإقليمية مثل الأمم المتحدة ومنظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة البريكس وغيرها من المنتديات والرابطات، كما أنها تدعم مبادرة الحزام والطريق التي اقترحتها الصين، وفي الواقع، ستدعم روسيا الصين حتى في مواجهة مشاكل خطيرة.
ومع ذلك، نظراً للنطاق الكبير والعمق والوتيرة العالية نسبياً لتطور التعاون الروسي – الصيني، غالباً ما يثير الكثيرون مسألة عدم الثقة بين البلدين، فعلى سبيل المثال، يدعي البعض أن روسيا ستبتعد عن الصين بمجرد إعادة تأسيس التعاون مع الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة، أو إذا فشلت سياسة التحول إلى الشرق الروسية، لكن أولئك الذين يقدمون مثل هذه الادعاءات لا يأخذون في الاعتبار العوامل الطبيعية والأساسية للتعاون الصيني الروسي.
أولاً، بدأت سياسة “التحول إلى الشرق” الروسية حوالي عام 2008 واكتسبت زخماً بعد الأزمة في العلاقات مع الغرب في عام 2014، لكنها تستند إلى الفهم الاستراتيجي بأن مركز التنمية الاقتصادية يتحول إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ والصين هي السبب الرئيسي لهذا التحول – ومن المقرر أن تظل اقتصاداً عالمياً رائداً على المدى الطويل.
ثانياً، لا الاتحاد الأوروبي ولا الولايات المتحدة قادران على تقديم شيء يمكن أن يجبر روسيا على التخلي عن رغبتها في بناء عالم متعدد الأقطاب حقاً تحتل فيه الصين أحد أهم الأماكن.
إن التناقضات الأيديولوجية بين روسيا والغرب الذي تقوده الولايات المتحدة، فضلاً عن عواقب الأزمة الأوكرانية قوية للغاية ولا يمكن التغلب عليها حتى على المدى الطويل.
ثالثاً، في علم الاقتصاد، يتم تحديد مصطلح التبعية من المنظور الاقتصادي ويمكن تفسيره على أنه إيجابي وسلبي، نعم، تعتمد روسيا والصين على بعضهما البعض، ولكن ليس بمعنى أن يفرض أحدهما إرادته على الآخر، حيث يكمل البلدان بعضهما البعض جغرافياً وسياسياً واقتصادياً، لكنهما تعهدا بعدم الاستفادة من هذا الاعتماد.
إن أساس السياسة الخارجية الروسية والصينية والاتجاهات الرئيسية للتعاون الروسي – الصيني هي إستراتيجية وطويلة الأجل بطبيعتها، في حين أن العوامل الجيوسياسية المهيمنة في العصر الجديد تعززها، فإن إعادة انتخاب بوتين وزيارته إلى الصين تؤكد على استمرارية السياسة الروسية تجاه الصين.
وبالطبع، علينا أن نؤكد على الطابع الخاص والحصري والمثالي للعلاقة، والذي يميزها عن التقييمات الدبلوماسية لبعض البلدان الأخرى مدفوعة فقط بالمصلحة الذاتية الضيقة، وفي تفاعلاتهما مع الدول الأخرى، تتصرف الصين وروسيا مثل القوى العادية المسؤولة التي تحترم الاتفاقيات المشروعة، ولا تبتز الآخرين، وتتحمل المسؤولية عن أفعالهم، ولا تمنع الدول الأخرى من السعي لتحقيق التنمية، وبدلاً من ذلك، تحاول إيجاد أرضية مشتركة.
ووفقاً للدبلوماسية الغربية الحديثة، قد يكون مثل هذا السلوك غير عادي، ولكن هذه هي بالضبط الطريقة التي يجب أن تتصرف بها قوة طبيعية ومسؤولة، ومن خلال تعزيز التعددية، واعتماد سياسة خارجية متوازنة وخلق فرص التنمية للبلدان الأقل تقدماً، فإن هذا هو بالضبط ما تتصرف به الصين، إنها لا تهدد أي بلد، بل تبحث عن فرص للتعاون، ولا تعزل نفسها عن بقية العالم من خلال الفصل أو إزالة المخاطر عن البلدان الأخرى.
هذا وتظهر ارتباطات الصين مع روسيا والولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وصربيا والمجر وفيتنام والهند والعديد من الدول الأخرى وعضويتها في العديد من المنظمات ومجموعة العشرين أن الصين تبنت نهجاً متوازنًاً للسياسة الخارجية يهدف إلى خلق نظام عالمي أكثر عدلاً ومتعدد الأقطاب.
وفي هذا السياق، تعد زيارة بوتين الأولى للصين بعد إعادة انتخابه كرئيس لروسيا تأكيداً آخر على أن الصين قوة عالمية مسؤولة وأن التعاون الصيني – الروسي استراتيجي وطويل الأمد بطبيعته.
المصدر – تشاينا ديلي