الثورة – ترجمة ميساء وسوف:
من خلال منح الجائزة العالمية لحرية الصحافة لعام 2024 للصحفيين الفلسطينيين الذين يغطون الحرب الإسرائيلية على غزة، اعترفت اليونسكو بحقيقة تاريخية مهمة. وحتى لو كان القرار بتسمية صحفيي غزة للفوز بهذه الجائزة المرموقة مدفوعاً جزئياً بشجاعة هؤلاء الصحفيين، فالحقيقة هي أنه لا أحد في العالم يستحق مثل هذا التقدير مثل أولئك الذين يغطون حرب الإبادة الجماعية في غزة.
“إننا كبشرية مدينون بشدة لشجاعتهم والتزامهم بحرية التعبير”، كما وصف موريسيو ويبل، رئيس لجنة التحكيم الدولية للإعلاميين، التي قدمت التوصية لمنح الجائزة، بصدق شجاعة الصحفيين في غزة.
الشجاعة هي صفة مثيرة للإعجاب، خاصة عندما يعلم العديد من الصحفيين في غزة أن “إسرائيل” تسعى لقتلهم، وغالباً مع عائلاتهم، لضمان بقاء فظائع الحرب مخفية عن الأنظار.
وفي الفترة ما بين 7 تشرين الأول 2023 و11 أيار 2024، قتلت “إسرائيل” 143 صحفياً فلسطينياً في غزة. وهو أعلى من إجمالي عدد الصحفيين الذين قتلوا في الحرب العالمية الثانية وحروب فيتنام مجتمعة.
ولا يشمل هذا العدد المدونين والمثقفين والكتاب الذين ليس لديهم مؤهلات إعلامية مهنية، كما يستثني العديد من أفراد عائلاتهم الذين غالباً ما قُتلوا مع الصحفيين المستهدفين.
كلما شنت”إسرائيل” حرباً على غزة، فإنها تمنع دخول الإعلاميين الدوليين إلى القطاع. تهدف هذه الإستراتيجية إلى ضمان عدم الإبلاغ عن قصة الجرائم التي يوشك القوات الإسرائيلية على ارتكابها.
وقد أتت هذه الاستراتيجية ثمارها في ما يسمى بعملية الرصاص المصبوب في الفترة 2008-2009.
إن الدرجة الحقيقية للفظائع التي ارتكبت في غزة خلال تلك الحرب، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 1400 فلسطيني، كانت معروفة إلى حد كبير عندما انتهت الحرب.
وبحلول ذلك الوقت، كانت “إسرائيل” قد أنهت عمليتها العسكرية الكبرى، وكانت وسائل الإعلام الغربية الرئيسية قد قامت بعمل كبير في ضمان هيمنة الخطاب السياسي الإسرائيلي فيما يتعلق بالحرب.
ظل سلوك “إسرائيل” منذ تلك الحرب دون تغيير: منع الصحفيين الدوليين، وفرض حظر النشر على الصحفيين الإسرائيليين، وقتل الصحفيين الفلسطينيين الذين تجرؤوا على تغطية القصة.
وكانت حرب آب 2014 على غزة واحدة من أكثر الحروب دموية بالنسبة للصحفيين. واستمرت لمدة 18 يوماً وأودت بحياة 17 صحفياً. ومع ذلك، ظل الصحفيون الفلسطينيون ملتزمين بقصتهم، وعندما يسقط واحد، يبدو أن عشرة يحلون محله.
لقد كانت فلسطين المحتلة دائماً واحدة من أخطر الأماكن للعمل الصحفي، فقد أفاد اتحاد الصحفيين الفلسطينيين أنه في الفترة ما بين عام 2000 و11 أيار 2022، يوم اغتيال “إسرائيل” للصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، قُتل 55 صحفياً على يد الجيش الإسرائيلي. .
قد لا يبدو هذا الرقم مرتفعاً للغاية إذا ما قورن بالهجوم الأخير على غزة، ولكنه كان وفقاً للمعايير الدولية رقماً مرعباً، ويستند إلى منطق مثير للقلق بنفس القدر: قتل الراوي باعتباره أسرع وسيلة لقتل القصة نفسها.
على مدى عقود، تمكنت” إسرائيل”، القوة المحتلة، من تصوير نفسها على أنها ضحية في حالة دفاع عن النفس. ومن دون أي أصوات منتقدة في وسائل الإعلام الرئيسية، صدق الكثيرون في جميع أنحاء العالم خطاب” إسرائيل” المخادع حول الإرهاب والأمن والدفاع عن النفس.
إن العائق الوحيد الذي يقف بين الحقيقة الفعلية والنسخة الإسرائيلية المهندسة للحقيقة هو الصحفيون النزيهون، وبالتالي الحرب المستمرة على وسائل الإعلام.
لكن ما لم تتوقعه” إسرائيل” هو أنه من خلال منع وصول وسائل الإعلام الدولية إلى غزة، فإنها ستمكن الصحفيين الفلسطينيين عن غير قصد من تولي مسؤولية روايتهم الخاصة.
الصحفيون الفلسطينيون في غزة هم أنفسهم القصة ورواة القصص. وإن نجاحهم أو فشلهم في نقل القصة بكل تفاصيلها الواقعية والعاطفية يمكن أن يشكل الفارق بين استمرار الإبادة الجماعية الإسرائيلية أو نهايتها.
على الرغم من أن الحرب لم تنته بعد، فقد أثبت الصحفيون في غزة بالفعل أنهم يستحقون كل التكريم والأوسمة، ليس فقط بسبب شجاعتهم، ولكن بسبب ما نعرفه بالفعل عن هذه الحرب الوحشية.
يريد معظم الناس في جميع أنحاء العالم أن تنتهي الحرب، ولكن كيف حصلوا على المعلومات اللازمة التي جعلتهم يدركون حجم الرعب في غزة؟ بالتأكيد ليس من خلال مناصري” إسرائيل ” في وسائل الإعلام الرئيسية، ولكن من خلال الصحفيين الفلسطينيين على الأرض الذين يستخدمون كل الوسائل وكل القنوات المتاحة لهم لرواية القصة.
أما بالنسبة لدقة المعلومات التي قدمها هؤلاء الصحفيون، فمن المؤكد أنهم كانوا محترفين بدرجة كافية للتحقق منها من قبل العديد من مجموعات حقوق الإنسان والجمعيات الطبية والقانونية وملايين الأشخاص حول العالم الذين استخدموهم لبناء قضية ضد الحرب الإسرائيلية.
والحقيقة أن كل ما نعرفه عن الحرب، عدد القتلى، ودرجة الدمار، والمعاناة الإنسانية اليومية، والمقابر الجماعية، والمجاعة، وغير ذلك الكثير، أصبح ممكناً بفضل هؤلاء المراسلين المقيمين في غزة.
يجب أن يكون نجاح وتضحيات صحفيي غزة نموذجاً للصحفيين والصحافة في جميع أنحاء العالم، ومثالاً لكيفية نقل الأخبار حول جرائم الحرب والحصار والمعاناة الإنسانية بجميع أشكالها.
المصدر – آنتي وور