الملحق الثقافي- عبد الحميد غانم:
هل نحن أمام أزمة كتاب، أم أزمة كتابة، أم أزمة هوية كتابية ؟.
سؤال مطروح أمام الكتاب والمشتغلين بالكتاب من مؤسسات أو معنيين به.
أطرح هذا السؤال، على أمل تشكيل إجماع معرفي وفكري، يحدد التحديات التي تواجه الكتاب في واقعنا الراهن.
هل هي مشكلة في الكتاب المؤلفين أنفسهم، أم في دور النشر، أم في الهوية الوطنية للكتاب؟.
لاشك أن الكتاب يعد وسيلة من وسائل العلم والمعرفة والثقافة، فالكتاب في حياة الفرد له صدى وانعكاس على تعاملاته داخل الأسرة والمجتمع، فالشخص القارئ يتعامل مع الأفراد بُرقي وأخلاق وذكاء أفضل من الشخص الذي لا يقرأ.
لذلك يُعتبر الكتاب في حياة الإنسان كالصديق فهو وسيلة من وسائل التسلية والترفيه والمعرفة وكذلك كسر للملل.
الكتاب مصدر رائع من مصادر المعرفة المتنوعة، فهناك كتب للقراءة متنوعة في الأدب بكل أنواعة كالشعر والقصص أو كتب علمية أو دينية أو ماشابه .
الكتاب خير جليس ، فإن كنت تقرأ قصة أو رواية فأنت تعيش في أحداثها وبكل تفاصيلها، أو قراءة كتاب علمي فهو يأخذك إلى حب العلم، وهكذا كل كتاب له أثر في حياة الإنسان.
وعليه فأهمية الكتاب تدفع الكتاب للتأليف في كل مجالات المعرفة والعلم والثقافة، لكن هناك عقبات كثيرة تعطل هذا الإنجاز، تتعلق بالظروف الاقتصادية والسياسية والمجتمعية.
فظروف الحرب والوضع الدولي الذي كان له تداعيات على دول منطقتنا تأثر بها الكتاب وأصحاب التأليف والعاملون بالفكر، فلم تعد مهنة الكتابة تكفي صاحبها أو المشتغلين بها، وباتت هناك تحديات عجز الكتاب والمشتغلون بالكتاب عن مواجهتها.
مما سمح للبعض غير المهنيين بشؤون الكتابة أن يعبثوا بأصول هذه المهنة الراقية، ويؤثروا على سمعتها الراقية عبر العصور.
فأي رقم أو كتاب أو نقش يشكل وثيقة وعلامة فارقة تعبر عن نوع من أنواع المعرفة الإنسانية.
كان في عهد المأمون يقابل كل كتاب ما وزنه ذهبًا.
أما الآن لا يقابل أي كتاب في واقعنا العربي إلا بدراهم قليلة لا تفي كاتبها وجبة طعام في أحد المطاعم من الدرجة الثلاثة نجوم.
لا توجد مؤسسات ثقافية تشجع على التأليف والكتابة، حتى بعض المؤسسات المحلية مثل الهيئة السورية للكتاب واتحاد الكتاب العرب ووزارة الإعلام، المعنية رغم أنها تدعو للكتابة لكنها لا تمضي كثيرًا في مساعدة الكتاب على التأليف، فهناك شروط ومكافأة مالية زهيدة.
كما طباعة الكتاب باتت مكلفة جدًا، ولا يقوى الكاتب على تحملها، حتى دور النشر إذا تعهدت بأمور الطباعة فإنها تستحوذ على ملكية الكتاب المطبوع ولا يكون نصيب المؤلف سوى بضع نسخ يقتنيها للذكرى.
ويمكن التوجه نحو الكتاب الإلكتروني الذي بات أداة سهلة الانتشار والصدور وقلة التكلفة، مما يترك المجال لتحسين تعويضات الكاتب المالية.
وفيما يتعلق بصناعة الكتاب في الوطن العربي، فإنها تشهد نموًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، حيث تشهد الأسواق العربية إصدارات جديدة وبشكل مستمر، وتتميز بتنوع واسع في الموضوعات التي تغطيها.
وعلى الرغم من وجود عدد كبير من الناشرين والمؤلفين العرب، إلا أن القارئ العربي لا يميل بشكل كبير للأدب العربي، ولا يعرف الكثير من الكتب المهمة التي صدرت في الوطن العربي.. ويرجع السبب الرئيسي في ذلك هو تدهور جودة المحتوى، فرغم وجود أدباء عظام في تاريخ الأدب العربي، إلا أن بعض الكتاب المعاصرين يتميزون بجودة المحتوى المنخفضة، مما يؤدي إلى عدم جذب القراء.
وقد بات الاهتمام بالكتاب من مقومات الهويّة الوطنيّة للأمم والشعوب؛ فالحياة بكلّ مظاهرها تكون في ظلام متى عُزل الكتاب عنها، فالاهتمام بالكتاب يقودنا إلى كلّ ما يتعلق به، مثل الكتابة، والقراءة، والعلم والمعرفة، إذ جميعها عناصر لازمة وحلقات متصلة بالكتاب، والاهتمام بالكتاب هو عنوان لقيم حضاريّة تعتز بها الأمم وتفاخر، وهو عنوان لتنوع العلوم وتشابكها، وللإبداع، والنبوغ، والتفوق، كما أنّ الاهتمام بالكتاب يقودنا إلى تصنيف الكتب، وتأطير مواضيعها، وذلك بحسب الرسالة التي تحملها وتعبر عن وجهة نظر أصحابها من خلالها، فهناك الكتب التي تحمل رسائل سامية وعظيمة في شتى فنون المعرفة، وهناك من الكتب التي تحمل عكس ذلك، تطال آثارها الفرد والمجتمع بالقدر ذاته، كما فيه نهل من شتى أصناف العلوم، وهو خير جليس لصاحبه.
المحافظة على الكتاب كأداة معرفية تتطلب السعي الحثيث نحو حضارة العمل والاشتغال به، كتابة، وموضوعات، وصياغات، ونشرًا، ورعاية ، ومكافأة.
فالكتاب يعد المعلم الخالد، الذي يساعدنا في تطوير مخيلتنا وفهم العالم من حولنا ويمثل ثروة لا تقدر بثمن.. فهو يحمل في طياته خبرات إنسانية وثقافية، ويساعدنا على فهم العالم بشكل أوسع وأعمق.. ويمكن للكتاب أن يكون وسيلة للترفيه والاسترخاء، فعندما نقرأ كتاباً ممتعاً، يتحرر العقل من التوتر والقلق.
.نحن أمة إقرأ، لماذا لا تقرأ؟ فالنظر إلى إحصائيات عن قراءة الكتب في الوطن العربي، وفقًا لتقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) عن النشر في الوطن العربي، فإن عدد الكتب التي نُشِرَت في الوطن العربي خلال عام 2019 كان 117،000 كتاب، وهذا يشير إلى أن هناك كمية كبيرة من الكتب المتاحة للقراءة والاستفادة منها في الوطن العربي.. وفي تقرير صادر عن مؤسسة «Arab Reading Index»، فإن معدل القراءة في الوطن العربي يعد متدنيًا، حيث يقَرَّأ الأفراد في المتوسط 2 كتاب في السنة الواحدة، خاصة إذا ما قورن في بقية الدول العالمية التي تتمتع بمستويات عالية من القراءة مثل أوروبا والهند واليابان.
العدد 1190 –21-5-2024