محمد شريف جيوسي – كاتب فلسطيني:
صدر قرار محكمة العدل الدولية أعرج، ذلك أنه ساوى بحسب المحكمة بين أطراف القضية التي صدر بموجبها القرار فالمساواة بين أطراف القضية يعني المساواة بين (غير المتساويين) وبمعنى آخر ازدواجية المعايير، ولأن ما صدر عن المحكمة غير قابل للتنفيذ فقرار اعتقال نتنياهو لا يعني شيئاً على أرض الواقع حتى لو تم إعدامه، فالقضية لا تبدأ بالسابع من تشرين بل أبعد من ذلك بعقود ولو تمت معاقبة نتنياهو فلن يتغير في “إسرائيل” من الأمر شيء، ففيها من هو أكثر دموية وصلفا منه.
وأما في الجانب الآخر من الحكم فإنه لو تم اجتثاث المقاومة في غزة فرضاً من جذورها فإن المقاومة الفلسطينية لن تنتهي، وهو ما دلت عليه الأحداث منذ أكثر من قرن حتى الآن.. ولو افترضنا جدلاً أن أحداً تنازل عن القضية فلن يتوقف الصراع دون تصويب التاريخ الذي بدأ خاطئاً منذ تأسيس الحركة الصهيونية أواخر القرن الثامن عشر، وهي الحركة ذات الطبيعة العنصرية التي فرزت يهود العالم عن مواطني البلدان التي كانوا يعيشون فيها بسلام، بل وقسمت اليهود بين أنصار قيام كيان يهودي، وبين من هم ضد قيامه، حيث ترى منظمات يهودية أن قيامه مخالف لأمر الرب ونصوص التوراة، وهؤلاء يعانون من اضطهاد الصهيونية لهم ومثال من هم في القدس حالياً.
المساواة بين من سرق الأرض ويحاول سرقة المزيد ويجرف الأرض ويبني المستوطنات والجدر على حساب المواطنين الفلسطينيين، وبين من تسرق أرضه وتبنى عليها المستعمرات، بين من يسرق الغذاء والدواء وبين من يسرق دواءه وغذاءه، بين من يأسر10 مستوطنين صهاينة ولا يضطهدهم وبين من يعتقل آلاف الأطفال والنساء والرجال من أمام أطفالهم ويمارس عليهم أسوأ أنواع الاضطهاد.
هكذا إذن المساواة بين غير المتساوين ونوع من الظلم المبطن، لقد حاولت المحكمة أن تحقق نوعاً من التوازن السياسي فلم يشفع لها ذلك من حاولت لأجلهم أن تمارس تلك اللعبة، أي “إسرائيل” والغرب وأميركا.
بكلمات إن تصويب التاريخ هو الحل النهائي الجذري للصراع في منطقة الشرق الأوسط والذي ينعكس على العالم وحله يكون بإعلان أن الحركة الصهيونية حركة صهيونية وليست من السامية في شيء وكذلك امتدادها التنفيذي (إسرائيل).
كما يكون التصويب بإعلان بطلان وعد بلفور والاعتذار عنه وما ترتب عنه وبطلان منح بريطانيا الانتداب على فلسطين وما ترتب على ذلك، كما يقتضي التصويب تعديل القرار الأممي الصادر سنة1947 بقيام “إسرائيل”.. لابد أن إنهاء الصراع في المنطقة يقتضي قيام الدولة الفلسطينية على كل التراب الفلسطيني وليس على جزء منه، فالقضية الفلسطينية ليست قضية فلسطينية فحسب وإنما عربية وإسلامية أيضاً وبل وقضية إنسانية.
ومن هنا رأينا كيف تعاطفت شوارع العالم معها، أما مصير اليهود فيكون كالتالي ببقاء أحفاد اليهود الذين كانوا في فلسطين قبل قيام الحركة الصهيونية وقبل وعد بلفور، وأما من يقول منهم بعدم جواز قيام دولة فله حق مغادرة فلسطين أو البقاء فيها سلمياً والعودة إلى أوطانهم الأصلية.
إن حل الصراع حلاً دائماً عادلاً شاملاً يقتضي كل ما سبق وإلا سيظل الصراع يتفجر بين حين وآخر، بمعنى أنه يقتضي حل جذور الصراع من أساسها وليس مظاهره الخارجية.
