الثورة – رفاه الدروبي:
يعتبر معروف الأرناؤوط رائداً من روَّاد الصحافة والأدب في سورية، إذ رسَّخ في كتاباته الأدبية والصحفية مفهوم العروبة والقومية العربي، على الرغم من أنَّ جذوره القريبة ليست عربية، فجدّه المباشر حسن آغا المولى يوسف هاجر من ألبانيا، كان له فيها نشاطات كثيرة، هدفها استقلال ألبانيا وانفصالها عن الدولة العثمانية، ما دفع السلطان العثماني عبد الحميد لنقله إلى بيروت في منتصف القرن التاسع عشر..
الأفكار السابقة كانت بداية محاضرة عنوانها: “معروف الأرناؤوط بين لغتين”، ألقاها المحاضر أحمد بوبس، ترأس الجلسة رئيس المجمع اللغوي الدكتور محمود السيد في قاعة أحمد منيف العائدي في المجمع.
الباحث بوبس أشار إلى أنَّ الأرناؤوط ولد في بيروت عام 1892، وتلقَّى تعليمه الأولي في إحدى كتاتيب بيروت، وانكبَّ على قراءة كتب اللغة العربية والأدب والتاريخ، ولاسيَّما العربي منه، حتى غدا موسوعة في الجانبين، إذ درس اللغتين الفرنسية والتركية في الوقت نفسه، ليخوض غمار الكتابة في منحيي الصحافة والأدب.
الصحافة..
كما لفت المحاضر إلى أولى كتاباته الصحفية في عدد من الصحف البيروتية، مثل جريدتي “البلاغ” و”الإقبال” في دمشق وأسَّس مجلة “العَلَم العربي” وخصَّصها للأدب والشعر، لكن لم يصدر منها إلا عدداً وحيداً ثم توقَّفت، ليقوم بإصدار صحيفة خاصة به حملت اسم “فتى العرب”، صدر عددها الأول بتاريخ 18 شباط 1920، وكانت يومية مسائية تصدر عصر كل يوم بأربع صفحات، واستمرت الجريدة بالصدور حتى وفاته عام 1948.
كانت “فتى العرب” من أشهر صحف دمشق، لرصانة موضوعاتها واهتمامها بالشؤون الأدبية والفكرية، إضافة إلى أسلوبه السلس والمشوِّق في الكتابة. وخلال فترة الاحتلال الفرنسي لسورية عُطِّلت عن الصدور من قبل “سلطات الاحتلال” أكثر من مرة، بسبب مواقفها الوطنية المطالبة بالاستقلال. وكان إذا كتب افتتاحية الجريدة، تأتي قطعة أدبية رائعة الديباجة، كاشفاً فيها عن نزوعه إِلى نهضة عربية قومية، كما ساهمت في تشكيل الوعي الوطني والقومي، منوِّهاً إلى حرص الأرناؤوط على تخصيص قسم من جريدته للدراسات الأدبية والبحوث التاريخية والترجمات الشعرية.
الأدب..
ثم انتقل الباحث أحمد للحديث عن بداياته الأدبية من خلال ترجمة الأعمال الأدبية العالمية والروائية والمسرحية عن اللغة الفرنسية، منها “عذاب الضمير” لجاك دارسي و”تقريع ضمير الملوك” لأدولف دانري و”الابنة الملعونة” لإميل ريشبورغ. ومن مسرحياته المترجمة: “الستار الأسود” لتيوفيل غوتيه و”ديانا” لأدولف دانري و”الطفلان الشريدان” لبيير دي كورسل و”عواطف الإخاء” و”الصقلي الشريف” وكلتاهما لألفرد دي موسيه، وأضاف: إنَّه على الرغم من شهرته في الروايات إلا أن بداياته كانت في المسرحية فكتب “جمال باشا السفاح”، ثم تحوّلت إلى عرض مسرحي، إذ قام الفنان عبد الوهاب أبو السعود بإخراجها، وعُرضت على مسرح “الإصلاح خانة”، وأتبعها بمسرحية ثانية مهمة وضعها كانت “أحلام ودموع” أو “أبو عبد الله الصغير” كتبها عام 1929، وأتت في خمسة فصول، وطُبعت على نفقة الكلية الفاروقية في حلب. تناولت المسرحية الأيام الأخيرة لدولة الأمويين في الأندلس وسقوطها من خلال شخصية أبي عبد الله الصغير آخر ملوك غرناطة.
الرواية..
بينما أكَّد الباحث بوبس أنَّ الرواية استهوته بشكل خاص التاريخية منها؛ فهجر الكتابة المسرحية، وتوجَّه إليها، لأنَّه وجدها أكثر رواجاً وقبولاً بين الجمهور، وأقل قيوداً من الكتابة المسرحية فكتب رواية من الأدب الخيالي عنوانها “فردوس المعرّي” المتضمِّنة بعث الشاعر أبي العلاء المعري وسياحته في اليونان وإيطاليا وفرنسا، على نسق كتاب “الجحيم” لواضعه الشاعر الإيطالي دانتي، مشيراً إلى أنَّه وضع أولى رواياته “سيد قريش” عام 1929 فحققت له شهرة واسعة، ونالت إعجاب النقاد، وعادت على مؤلفها بأرباح مالية كبيرة، كما نالت إعجاب رئيس المجمع العلمي العربي “مجمع اللغة العربية” محمد كرد علي، وكتب عنها مقرّظاً في مجلة المجمع، وحاز بسببها على عضوية المجمع. تضمُّ الرواية نحو ألف صفحة، تتناول الجانب الاجتماعي التاريخي وتتألف الرواية من ثلاثة أجزاء إضافة إلى على ضفاف البوسفور وعمر بن الخطاب.
“طارق بن زياد” رواية تاريخية تناول فيها فتح إفريقيا والأندلس، كما أبدع في تصوير مواقف مؤثرة من الحب والجمال، وطبيعة الأندلس الساحرة، وتحدث عن دور العرب الحضاري.
مخطوطاته وشعره..
خاتماً الباحث أحمد بوبس محاضرته أنَّ الأرناؤوط ترك بعد رحيله عدداً من المخطوطات لم تُطبع، وبعضها لم يكتمل، لكنَّها فُقدت جميعها كرواية (القاهرة) ومذكراته بعنوان (حياتي) وتاريخ الأدب الفرنسي في القرن التاسع عشر. أما نظمه للشعر فكانت قصيدة ألقاها حين كان في السادسة عشرة من عمره في حفل تكريم الشاعر العراقي معروف الرصافي بمناسبة زيارته إلى بيروت، إلا أنه ترجم عدداً من القصائد لشعراء فرنسيين، وأعاد نظمها شعراً، ومنها (وقفة في الطلول) لأندريه شينيه و(دموع لامارتين) للشاعر ألفونس دي لامارتين، ونشرت القصيدتان في عددين من مجلة (الحديث) الحلبية لسامي كيالي عام 1928. ومطلع قصيدة لامارتين.