وصلنا إلى ما لم نكن نتوقعه يوماً.. كيلو الرز أقل سعراً من كيلو البرغل في الأسواق السورية، ونعلم جميعاً تراكم حلقات التكلفة التي يتطلبها إيصال الرز المستورد إلى أسواقنا – كله مستورد- أما البرغل والقمح فهو منتج محلياً بالكامل، أو هكذا يفترض، لذا نبدو أمام مفارقة حقيقية بما يخص معادلات الإنتاج الزراعي وما نتداوله من سلع في أسواقنا.
الرز والقمح مثال ينسحب على سلسلة طويلة من التناقضات الجديدة التي يجب أن نقف عندها طويلاً عنوانها “المنتجات المستوردة تطرد المنتج السوري من سوقه” وهذا نادر الحصول في الأحوال الطبيعية، ويجب ألا يحصل مهما كانت الأسباب، لأن المنتج المحلي دوماًـ هو صاحب الحظوظ والحصة السوقية الأكبر.. هذا من جهة اقتصادية بحتة، أما من الجهة الأخرى الأهم فثمة اعتبار وجداني إنساني وطني، وهو حق المواطن بأرزاق بلاده التي يجب أن تكون له فيها أولوية.
هناك احتمالان اثنان لمثل هذا الانحراف، أولهما أن ثمة تراجعاً مخيفاً في كميات الإنتاج، وهذه مشكلة بنيوية خطيرة تحتاج إلى حل سريع وعاجل، والاحتمال الثاني أننا لا نملك تقديرات دقيقة لبيانات التكلفة، وهذا بدوره خلل يؤشر إلى متوالية خلل أكبر، تتشعب بين توفر مستلزمات الإنتاج وتذبذب تكاليفها، وعدم توفر بيانات دقيقة وأرقام عن المساحات المزروعة، بالتالي عدم القدرة على ضبط قرارات التجارة الخارجية بالخطين الذاهب والراجع.
الظاهرة جديرة بالدراسة ومن ثم الاستدراك.. كي لا نخسر أهم المقومات الباقية في منظومتنا الاقتصادية.. الاستدراك لم يعد خياراً ترفيهياً.
إن مشهد انخفاض أسعار السلع المستوردة، وارتفاع الأخرى المنتجة محلياً، مقلق ومثير للمخاوف بشأن استدامة إنتاجنا الزراعي، وتحول غير مدروس في قوام أهم قطاع ضامن للأمن الغذائي والاستقرار.
نهى علي