أ. د. جورج جبور:
ليست فكرة ارتباط الصهيونية بالعنصرية جديدة في التاريخ العربي والعالمي المعاصر وإن تباينت الأسس التي بنيت عليها تلك الفكرة.
وليس صعباً أن نرى في المادة 11 من دستور حزب البعث العربي في العام 1947جذراً فكرياً للقرار 3379، ثم جاءت الحركة الأفرو آسيوية ومعها حركة عدم الانحياز لتضع مزيداً من اللبنات في بناء ما أصبح عام 1975 القرار 3379.
الرئيس المؤسس حافظ الأسد رحمه الله قائد واستراتيجي مقتدر، شعر بأهمية مؤتمر دعي إلى المشاركة فيه وهو يعد لحرب تشرين، دعته الجزائر مضيفة مؤتمر القمة الرابع لدول عدم الانحياز.
يُعقد المؤتمر في أيلول 1973 في الدولة التي انتصرت على الاستعمار الاستيطاني، بل في القارة التي جعلتها أوروبا حقل تجارب لمختلف أشكال الاستعمار الاستيطاني، وفي موسم قمة الجزائر كانت مشكلة روديسيا محط أنظار الإفريقيين والعالم.
الرئيس الأسد كان تبنى اقتراحاً لي عام 1971 لإنشاء مؤسسة تُعنى بدراسات الاستعمار الاستيطاني، لعله تذكر أن أول ما سألني فعله بعد أن استقر في القصر منهياً جولته في المحافظات كان تلخيصاً لكتابي عن الاستعمار الاستيطاني، وكان وقتها أ. أسعد كامل إلياس رحمه الله، كاتب خطب متمرس وهو فلسطيني لجأ إلى سورية، تدرج في الأعمال الإعلامية، أخلاقي السلوك من الدرجة الأولى، ولم أسمع أبداً من أي أحد انتقاصاً ينال منه، وطلب منّا الرئيس الأسد المشاركة بالاقتراحات حول فكرة ارتباط الصهيونية بالعنصرية.
على مدى مسائيِّ الخميس 30 آب والجمعة 31 منه كان لثلاثة لقاءان في مكتب الرئيس يوماً وفي منزله اليوم الثاني، لقاءان، بل حلقتا بحث في التاريخ والجغرافيا والعقائد والسياسة، بدقة كان يصاغ السؤال وبدقة كانت تنسج الإجابة لتصبح الرؤية السورية دقيقة، لماذا؟
لأنها ربطت بين جنوب إفريقيا والكيان الصهيوني وروديسيا التي أصبحت زيمبابوي لاحقاً.
وأشارت إلى رسالة خطها هرتزل ليستجدي بها العنصري سيسيل رودس مؤسس روديسيا.
وطالبت بأن توصف الإيديولوجية الصهيونية في فلسطين بالعنصرية.
وكان الأمر لي في لجنة الصياغة التي كتبت خلاصة أعمال المؤتمر الحاشد. الخلاصة الأساس واضحة، الصهيونية في فلسطين “عُنصرية استعمارٍ استيطاني”.
وتثور في الذاكرة حكايتان اذكرهما بتحفظ إذ لا أستطيع البرهنة على حدوثهما.
ما أن عدنا من مؤتمر الجزائر حتى هتف لي صديق مجرب هو أ د. مجد الدين الشرابي المختص في تقنيات الإفادة من الذرة في الزراعة، كان هو وسيلة التعارف الأولى مع زميله في الدراسة بأمريكا العلامة د. عبد الوهاب المسيري رحمهما الله مثنياً على دوري.
أما الحكاية الثانية ففيها جانب عتمة، هل أذكرها؟ نعم ولكن بطلب خاص، أفضل من ذكرها اختتام بمجد شخصي ما يزال طنينه في أذني.
أتى صديقي الهندي إلى دمشق، رئيساً للجنة أمم متحدة تتقصى ما يأتي به الاحتلال من انتهاكات وجرائم، ما أن تبادلنا الحديث بعد سنوات فراق حتى قال لي: ألست سعيداً؟ جعلنا كتابك قراراً دولياً.
كان يشير إلى كتاب لي بالانجليزية صدر في آب 1970عن مركز الأبحاث الفلسطينية في بيروت وأنفقت على نشره جامعة الخرطوم .
تلكم ذكريات عن 3379 أحياها في الوجدان وحبب إليَّ البوح بها صباح الجمعة 21 حزيران الظهور الإعلامي السوري لأمر أطلعني عليه قبل أيام أمين عام سابق لمجموعة شُرفت برئاستها.
ما الذي ظهر إعلامياً في سورية؟ مذكرة وقعها حقوقيون ومثقفون عرب، يتقدمهم المفكر المعروف عبد الحسين شعبان، تطالب بإعادة الاعتبار للقرار 3379.
ولا ينتهي الحديث عن الـ 3379، لي عنه قريباً إن شاء الله وقفتان.
أولاهما شخصية عنوانها، عملي رئيساً للجنة دعم القرار، وعملي مديراً لمكتب رئيس الجمهورية للدراسات السياسية.. هل يتكامل العملان أم يتناقضان؟
وثانيتهما فكرية فلسفية دينية عنوانها: هل القرار 3379 مناهض للسامية أم هو مناهض لمناهضي السامية؟
أما اليوم فأختم كما يلي: جهد مبارك يقوم به من لم تضعف عزيمته في الحديث معي عن القرار 3379 منذ جمعنا رصيف مجاور لبيت العائلة في حي الروضة بدمشق عشية إعلان ظهر عام1986 مؤداه إنشاء اللجنة العربية لدعم القرار 3379.
*مؤسس ورئيس اللجنة العربية لدعم القرار 3379 ورئيس الرابطة العربية للقانون الدولي، والرئيس المؤسس والفخري للرابطة السورية للأمم المتحدة.