أحدثت معركة طوفان الأقصى تحولاً عميقاً في مجرى الصراع مع الكيان الصهيوني، ولعل أهمه أننا أمام عدو قابل للهزيمة، إن لم يكن قد هزم حقيقة، وكانت النظرة للكيان في قراءات مختلفة تراوحت بين أنه قابل للهزيمة وقابل للتفكك، وقابل للسقوط، ولعل أول من تحدث عن إمكانية تفككه هو الباحث المصري المعروف عبد الوهاب المسيري رحمه الله، ولعل ما يشهده من خلافات وصراعات وانقسامات عمودية وأفقية هو دليل على أننا أمام كيان غير منسجم في البنية العامة لجهة أنه تجمع استيطاني جيء بمستوطنيه من بيئات مختلفة ثقافياً وعرقياًً واجتماعياً، جامعهم الوحيد الديانة اليهودية، ومع أنهم تعرضوا لعملية صهر عبر سياسات تربوية وثقافية، إلا أن التباين بين تلك المجموعات بقي قائماً.
إن ما يجري في غزة لم يعد معركة، بل حرب طوفان تجاه ذلك العدو الذي تحول إلى جيش في ما سمي دولة، وهو ما جرى على ألسن العديد من مسؤوليه وقادته العسكريين والاستخباراتيين، ما حدا برئيس وزراء الكيان نتنياهو القول نحن دولة لها جيش، ولسنا وليس جيشاً له دولة، وهذا يعتبر تحولاً في فهم طبيعته وبنيته، ولا شك أن معركة الطوفان أنعشت روح الأمل بالتحرير والعودة كما أبرزت الطابع المركب للصراع في أبعاده الإسلامية والدولية وبروز دور بعض الدول في القضية الفلسطينية ومنها إيران ودول إفريقيا وأميركا اللاتينية، مع تراجع نفوذ دولة الكيان على المستوى الإقليمي والدولي وتنامي دور دول الإقليم، ولمصلحة القضية الفلسطينية مع تبلور أدوات مقاومة جديدة صنغتها المقاومة وتغير قواعد الصراع القديمة وتنامي الروح الشعبية فلسطينياً وعربياً، كما انعكست حرب الطوفان علي البيت الفلسطيني، حيث أوضحت الوحدة الوطنية النضالية ضرورة وحتمية، وأهمية عدم احتكار الورقة الفلسطينية بل سقوط ذلك لتكون البندقية المقاتلة والمقاومة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
لقد تحدث قادة الكيان عما سموه اليوم الثاني أو التالي، معتقدين أنه ما بعد حماس، فإذا بحماس تصبح هي العنوان والمفاوض والمقاتل ولاشك أن لذلك انعكاسات على البيت الفلسطيني وترتيبه وأولوياته، فليس من المنطق أن تتحد المواقف العربية والدولية حول القضية الفلسطينية وحتمية قيام دولة فلسطينية ولا تتحقق وحدة وطنية فلسطينية قوية وراسخة ولا سيما أن ثمة حقائق بدأت تفرض نفسها على تضاريس الصراع ومنعرجاته، منها أن القضية الفلسطيتية قد تجاوزت اتفاقية أوسلو، وأصبحت المسألة ما بعد أوسلو إضافة إلى أن استراتيجية العمل المستقبلي هي في الرهان على التحرير والمقاومة بكل أشكالها، فالمقاومة هي من يصنع الفرص السياسية وليس العكس، مع ضرورة ووجوب أن ينخرط فيها الجميع ولا يبقى العبء على غزة وحدها، فالشعب واحد والقضية واحدة مع أهمية تعظيم وإبراز دور المقاومة وفتح النار على الصهاينة في كل الجبهات والأمكنة.
لابد من توافر القناعة لدى الجميع أنه لابد من فاتورة تضحيات كبيرة حتى يتحقق التحرير، فالمقاومة تنجز بينما التسويات السياسية تفقد الحقوق وتضيع القضية إضافة إلى التأكيد على عدم الانفراد بقرار المقاومة العسكرية ولا بالقرار السياسي من أي جهة فلسطينية، فلابد من تنسيق وتكامل للأدوار ، فالمشروع الوطني الفلسطيني هو برسم الجميع، وليس بحاجة إلى إعادة تعريف مع أنه تعرض للقضم والتشويه، والمطلوب إعادة الاعتبار له والاتفاق على مضمونه ومفاهيمه وعناوينه الأساسية والمركزية، وما الوسائل لتحقيقه سواء كانت عسكرية أم سياسية، وما الثابت والمتغير ودور الداخل والخارج في المشروع، أما ومع كثرة الحديث عن موضوع الدولة الفلسطينية فهو موضوع حساس فهل المطلوب دولة رمزية أو افتراضية أم دولة على الأرض، فلا دولة تنشأ في الهواء، وهنا من المهم أن يكون الحديث عن دولة فلسطينية حديثاً واضح الملامح من حدود وعاصمة وسيادة وأرض، مع القناعة أن التحرير يجب أن يسبق قيام الدولة، فلا دولة من دون أرض وسيادة، فمعركة الطوفان اعادت الاعتبار للكلمة الفلسطينية، وكذلك المياه إلى مجاريها، وأصبح الحديث عن الدولة حديثاً جدياً، ويكون السؤال بعد الاعتراف من بعض الدول، كيف تكون الدولة على الأرض، وليس مجرد قرار سياسي واعتراف سياسي مع أنه أمر جيد، ولإعادة الاعتبار للمؤسسات الفلسطينية لابد من إقامة انتخابات وشراكة وتوافق وهذه هي الديمقراطية الفلسطينية لا إلغاء ولا احتكار لأحد، فلابد من ترتيب المؤسسات بطريقة التوافق كمرحلة انتقالية، وعندما تنضج الظروف يتم الذهاب للانتخابات، فالمهم أن لا انفراد ولا يؤدي الى موت المؤسسات الفلسطينية، بدليل أن منظمة التحرير الفلسطينية في الوقت الحاضر أشبه ما تكون ميتة سريرياً، وهنا يمكن الحديث عن حكومة وحدة وطنية وإدارة غزة للبناء وإعادة التعمير وعودة النازحين، لأن الصهاينة يريدون أن يكون في غزة فراغ وصعوبة في إعادة بنائها وإعمارها واستحالة في عودة الحياة إليها، أي فرض تهجير قسري للسكان مع التأكيد على مركزية قضية القدس في أي مقاربة للحل، لأنها النواة والمركز في ديناميات الصراع مع العدو.