من مفارقات الحياة التي تصدمك كل لحظة ما تردده من عبارات شعبية صارت أقرب إلى المفاهيم الراسخة تطلق كل لحظة ولكنها ليست حقيقة ولا أحد يعمل بها ولا يمكنه أن يعمل لو أراد ذلك.
في الحديث عن الفقر والمال نقول: الفقر ليس عيباً، وهذا صحيح ولكن ننسى ما يتركه من آثار على المجتمع.
وفي الحديث عن المال الكثير مما يقال: (المال وسخ الدنيا..مو كل شي بالمصاري…معك ليرة تساوي ليرة..ما حدا أخد معه شي ..الكفن بلا جيوب…إلخ).
هذا كله صحيح بتناقضاته ولكن الأكثر صحة أننا حين نردده ليس لدينا الوعي الحقيقي له.
فهل يمكنك مثلاً أن تحصل على أي شيء بلا مال؟!
ربما يكون ذلك لمرة أو مرتين أو ثلاث مرات..ولكن ماذا بعد ؟
هل يمكنك أن تعالج أمراضك الجسدية والنفسية من دون مال.؟
هل تستطيع أن تقنع طفلك أنك لا تستطيع شراء لعبة له ..
وهل تقنع الطبيب أن أجرة المعاينة التي يتقاضيها منك قياساً بما معك هي الأغلى في العالم..في أبعد الحدود عشر دقائق وتدفع أكثر من ١٠٠ ألف ليرة.
وهل تستطيع أن تقنع سائق سيارة الأجرة أن المسافة من دوار كفر سوسة إلى ساحة الأمويين هي أقل من ٢ أو ٣ كم، وأن مبلغ ٢٠ ألف كبير جداً؟
هل تستطيع أن تقنع بائع الخضرة أن ربحه يجب ألا يتجاوز المئة بالمئة؟.
جرب أن تفعل ذلك ..جرب أن تناقش أحدهم بأمر الاستغلال هذا..الجواب حاضر لديه: المال وسخ الدنيا …
ليكن ذلك لكن تخلص من بعض هذا الوسخ…وإمعاناً في النفاق الاجتماعي يقول لك: ( بلا مصاري ..خليها علينا ..مو بيناتنا..).
من الطرائف التي أعرفها وهي حقيقة أن أحدهم كان معدماً..والكل يتجنبه..دارت الأيام وجاءه المال…يقول: كنت أتجنب المرور قرب أي أحد حتى لا أرى نظرات اشمئزازه أو لا يرد السلام ..
بعد أن امتلأت الجيوب أمر من بعيد وارفع يدي لأمسد شعري فمن يراني يرفع صوته:( وعليكم السلام ..) طبعاً ولا أكون أقصد تحيته.
كان مكاني في آخر الصفوف إذا شاركت بمناسبة ما ..
الأن يفسح لي في الصف الأول..بل لي الكلمة الفصل في كل أمر..
..وبعد؛ هل رأيتم فصاحة أبعد غوراً من فصاحة المال..هل تريدون المزيد من الأمثلة..
هذه الفصاحة ليست وليدة اليوم بل هي عبر التاريخ ..ألم يقل الشاعر :
يمشي الفقير وكل شيء ضده ..؟
نسيت أن أسألكم: ماذا عن فصاحة الحكومة التي ترفع الأسعار كل يوم وتقول هي أسعار وهمية …هل لديكم إجابات..؟