الملحق الثقافي- حبيب الإبراهيم:
قلّة هم من كتبوا النقد عن خبرة ودراية ومعرفة ودراسة لأسسه وقواعده، وبالتالي قدّموا للأعمال الإبداعية على اختلاف مسمياتها من شعر وقصة ورواية وفن، قيمة مضافة ساهمت بشكل أو بآخر في تسليط الضوء على منجزهم الإبداعي، وجعل القارىء أكثر قدرة على التمييز بين الغث والثمين، مما تطرحه المطابع، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل نشر أصبحت في متناول الجميع..
السؤال الذي يطرح نفسه هل يمكن للإبداع أن يستمر ويرتقي ويصل للناس دونما نقد يقوم على التحليل والموضوعية، نقد له ركائز ودعائم وأدوات تبتعد كليّاً عن المجاملة والمحاباة وتبادل المصالح على مبدأ (حكلّي لحكّلك)!؟
وبالتالي يتحول (النقد) إلى أداة ترويج لمنتج رديء تنعكس آثاره على الأفراد والمجتمع.
واستكمالاً للسؤال الأول هل يوجد نقد دونما إبداع؟ بمعنى آخر هل يكون النقد للنقد فقط أم أنه يضيف للنص قيمة إبداعية جديدة؟
النقد هو بوابة مفتوحة على أمدية واسعة تأخذ على عاتقها التعريف بالكتاب المراد تسليط الضوء عليه، وبالكاتب ومسيرته الإبداعية وخبرته الحياتية، مع الإشارة إلى الهنات والملاحظات التي يبديها الناقد بحيادية وموضوعيّة بعيداً عن العلاقات الشخصية والمصالح الضيقة، وعلى الناقد أن يكون حيادياً وعلى مسافة واحدة من الجميع، فالناقد مبدع في اختصاصه ويستند على أسس ومقومات علمية ومنطقية حتى يكون منصفاً في تحليله ونقده وملاحظاته.
في عقود خلت كان النقد وسيلة لمعرفة سويّة هذا الكتاب أو هذه المجموعة الشعرية، أو هذه الرواية أو… من خلال تفكيك وتحليل مضامين عديدة قدمها الكاتب والشاعر وفق رؤاه المعرفية والثقافية، وكانت الصحف والمجلات الورقية تحتفي بمثل تلك المواد وتدفع بها للنشر وبالتالي كنا نشهد حراكاً ثقافياً ممتعاً لا محاباة به ولا مجاملات وهذا بتنا نفتقده مع انتشار الكتاب الإلكتروني، والنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي وملتقيات و منابر تدّعي الاهتمام بالثقافة والأدب والنقد و…
ومن خلال متابعتي لما ينشر عبر تلك الملتقيات من قراءات وانطباعات نقدية نجد أنها قراءات سطحيّة بعيدة عن أسلوب الناقد المتخصص، فغالباً ما تشمل هذه الانطباعات نصوصاً رديئة، سطحية يتم كيل المديح والثناء لأصحابها، وخاصة من الجنس اللطيف، فنراهم يرفعون هذه الشاعرة أو تلك الكاتبة إلى مراتب عليا مع أن ما يكتبنه لا يستحق النشر أصلاً؟!
وضمن هذا المنحى نجد (كروبات) متخصصة بكيل المديح وإطلاق الألقاب الرنانة، حيث هناك تبادل في الأدوار والمواقع، بمعنى أنا أكتب عن مجموعتك أو نصوصك وأنت تكتب عن مجموعاتي ونصوصي وهكذا…
إذاً نحن أمام مشهدية مؤسفة يغيب فيها النقد الحقيقي لصالح المجاملات والتي لا تقدم ولا تؤخر في مسيرة الإبداع، بل تزيد من النصوص الرديئة وتسويقها على أنها هي الإبداع وهي التطور الذي ننشده.
وإن كانت وظيفة النقد سبر أغوار النص الأدبي وتبيان مواطن الجمال وقوة البيان، أو الضعف في الأسلوب والمعالجة فإن الناقد والكاتب معنيان في هذه المسألة ويسعى كل واحد منهم لإظهار ما بجعبته من ألق ٍ وجمال مع ضرورة أن يتقبل كل منهما وجهة نظر الآخر بعيداً عن التشنج أو الاصطفافات البعيدة عن دروب الأدب والإبداع.
العدد 1198 – 23 -7-2024