الثورة – لينا إسماعيل:
قد لا يعلم الكثيرون حتى من أبناء حلب، أن حلب الشهباء كانت مدينة النواعير كما هي حماه اليوم.
كيف؟ والمعروف عن حلب أنها مدينة جافة بعيدة عن مصادر المياه من بحر أو نهر أو ينابيع؟
في الواقع أن مجرى نهر قويق الذي لازال يمخر عباب الحنين لدى أجداد شهدوا أواخر أيام عزه.. والذي بقي محافظاً على تفرعات مجراه في قلب أحياء المدينة العريقة، يؤكد ما روته الذاكرة الشعبية والمؤلفات التوثيقية أن للنهر تاريخ رخاء ونماء تنعمت به مدينة حلب من جراء غزارة مياهه التي كانت تتدفق قبل أكثر من قرن ، والتي كان منبعها هضبة عينتاب، ومصبها سبخة المطخ في جنوب حلب ، ما دفع الأهالي لإقامة نواعير على ضفاف النهر لسقاية المزروعات وري البساتين المترامية على أطراف النهر .
وقد وثق الشيخ كامل الغزي في مجلده النادر ( نهر الدهب في تاريخ حلب ) وجود خمس نواعير في محافظة حلب ، أما الناعورة الوحيدة التي كانت موجودة في مدينة حلب كانت في منطقة الكتاب والذي عرف فيما بعد باسم شارع الناعورة .
كما تشير المصادر التاريخية إلى أن هذه الناعورة كانت تزود التكية المولوية التي بجانبها بالماء، إلا أنها تهدمت مطلع القرن العشرين وتم استبدالها بدولاب هوائي، اندثر مع تعاقب السنين، وأقيم مكانه قصر الناعورة الذي تحول إلى متحف حلب القديم .
من الجدير ذكره أن متحف حلب الفوتوغرافي حدد موقع الناعورة بدقة، مابين المتحف الوطني الحالي ومديرية السياحة بحلب .
وتشير بعض الوثائق أيضًا إلى وجود ناعورة حلب في باب جنين على الجدار الجنوبي للتكية الملاخانة التي هدمت عام 1902.
كما يذكر كتاب (حلب ذاكرة الأيام) 2006 إلى أن نواعير حلب كان يزيد ارتفاعها عن العشرة أمتار نظرًا لغزارة ماء نهر قويق ، وأنه كان هناك عائلة حلبية مختصة بصيانة هذه النواعير هي عائلة الناعورة .
وقد تميزت نواعير حلب بصناعتها من حديد الـ “أهين” فيما تمت صناعة نواعير حماه من خشب شجر التوت .
ولا ندري لماذا لم تبق هذه النواعير صامدة حتى يومنا هذا كما هي نواعير حماه لكننا نتحسس وجودها من خلال مجمل الوثائق والصور التاريخية التي خلدت هذه المرحلة من تاريخ حلب وما صاحبها من خصب وازدهار.