الثورة- رنا بدري سلوم:
لم يجد حماة الديار مع قائدهم «يوسف العظمة» ما ينجيهم من العار سوى الموت، فيثبّتون أرجلهم في مستنقعه ويقرّرون الوقوف وسط أتون مستعمر من حمم الطائرات وقذائف المدافع ورصاص البنادق، وقد آلوا على أنفسهم ألا تمر جيوش البغي إلا على أجسادهم، إذا لم يكن من الموت بدّ فمن العجز أن تموت جباناً»، وتكون الفاجعة آنذاك ويرتقي مئات العرب العزّل مع قائدهم شهداء وسط الحمى في ميسلون الطاهرة بعد أن أبدوا من ضروب التضحية والبطولة آيات وجعلوا من أنفسهم أول سد أقيم بوجه الاستعمار في هذا البلد الأبيّ،
هكذا بين عشيّة وضحاها انقلب العرس مأتماً، فوئد استقلالاً ودك عرشاً وانطفا عهداً في عمر الزّهر كان للأمة جميعها موحى أمل ومبعث كبرياء، وتمر بضع ليال من الأسى والجرح النديّ، يطلع علينا بعدها شاعر دمشق خير الدين الزركلي بمطولة في معركة ميسلون التضحية والفداء، وتثير الفاجعة قرائح الشعراء فينظمون فيها غرر الشعر، ففي شهر آب والحزن مخيّم بسواده على دمشق وأنات الثكالى تتردد في كل حي من أحيائها العريقة، وبعد أن وقعت الفاجعة في اليوم الرابع والعشرين من تموز ١٩٢٠ الراسخة في قلوب العرب ذكراها، نظم الشاعر خير الدين الزركلي قصيدته الفاجعة وهي كانت مبادرة إلى رصد الحدث ووصف أثره في النفوس في أعقاب وقوعه إذ نظمها الشاعر كما ذكر في ديوانه، وهو ما يفسر لنا طابع الثورة والانفعال الذي يطل بقوة من خلال أبياتها وينقل إلينا صورة صادقة لنفسية شعب عربي حر منكوب بالاحتلال لقد عانى الشاعر بعض ذلك الهول وعاش ساعاته الحرجة فرأى ما رأى وسمع ما سمع فكانت قصيدته لوحة تنبض بالحياة رسمها بريشة مغموسة بدم القلب، ومن ينسى هذه الأبيات التي تدرس في كتبنا التعليمية إلى اليوم، كتب الزركلي فيها: لله للحدثان كيف تكيد بردى يفيض وقاسيون يميدُ تفد الخطوب على الشعوب مغيرة لا الزجر يدفعها ولا التنديد بلد تبوّأ الشّقاء فكلما قدّم استقام له به تجديد لانت عريكة قاطنيه وما دروا أنّ الضعيف معذب منكود ما تنفع الحجج الضعيف وإنما حق الضعيف معزز معضود.
السابق