الثورة- عمار النعمة:
مما لاشك فيه أن تاريخ سورية حافل بالعزة والفخار، فقد سطر السوريون الكثير من الانتصارات التي مازلنا حتى اليوم نعيش على أمجادها، تمر اليوم ذكرى معركة ميسلون التي قادها القائد البطل يوسف العظمة وزير الحربية في الرابع والعشرين من تموز عام 1920 لتشكل علامة فارقة في تاريخ سورية والمنطقة، مشهد لم يعرف العالم مثيلاً له عبر تاريخه أبداً، فهو مصان ومحصن بدماء الشهداء الذين رووا هذه الأرض بدمائهم المقدسة.
تأتي الذكرى التي أصبحت رمزاً وطنياً تتمثل فيه معاني الكرامة والتضحية لتعيد إلى الأذهان يوم وقف الشهيد العظمة مع رفاقه بشجاعة منقطعة النظير بمواجهة قوات الاحتلال الفرنسي الغازية بقيادة الجنرال غورو التي دخلت الأراضي السورية عبر الحدود اللبنانية، ولكنها وجدت نفسها مجبرة على التوقف في منطقة خان ميسلون قرب دمشق تحت وطأة ضربات الجيش الوطني الذي يقوده البطل يوسف العظمة، ولأن الكلمة أقوى من الرصاصة كُتب عن هذه المعركة الكثير من النصوص الشعرية التي مازالت تسكن وجداننا فهي تحكي قصة نضال لم تعرفه دول العالم من قبل فكانت قصيدة أحمد شوقي الشهيرة التي قال فيها:
مشى، ومشت فيالقُ من فرنسا تجرُّ مطارف الظفر اختيالا
ملأن الجوَّ أسلحةً خفـافا ووجـهَ الأرض أسـلحةً ثقـالا
أقام نهارَه يلقي، ويَلقــى، فلما زال قرصُ الشَّمس، زالا
فكُفِّنَ بالصوارم والعوالي، وغُيِّبَ حيث جالَ وحيث صـالا
ورغم معرفة القائد العظمة بأنه يواجه عشرة آلاف جندي فرنسي إلا أنه أبى الرضوخ لما يسمى إنذار غورو المشؤوم وخرج يقود نحو أربعة آلاف جندي إلى جانب كوكبة من المتطوعين الأبطال لم يتجاوز عددهم 1500 مقاتل، وتقدموا بشجاعة وخاضوا معركة العزة والكرامة في ميسلون ليسطروا بتضحياتهم أحرفاً من نور، نعم، يتجسّد الصمود السوري على هذه الأرض، رغم جميع الأطماع الاستعمارية، التي تأخذ اتجاهات مختلفة ومتباينة، وما أشبه الماضي بالحاضر فها هي سورية تخوض أشرس معركة ضد الإرهاب لتحقق الانتصارات تلو الانتصارات التي لايمكن التخلي عنها تحت أي مسمّى ولا ذريعة أو حجّة، من ميسلون وما قبلها، إلى اليوم سورية بشعبها وجيشها وقيادتها تؤكد معاني الانتماء والصمود والدفاع عن الأرض مهما كلّف هذا الانتصار من أثمانِ غالية ونفيسة مدفوعة بدماء الشهداء الأبرار.
سورية التي حملت لواء المقاومة أثبتت للعالم أجمع من خلال مسيرتها النضالية ودماء شهداء ميسلون تصميمها على حماية قرارها المستقل وسيادتها ووحدة أراضيها، وما زالت معركة ميسلون تشكل حتى يومنا هذا شعلة منيرة ترسم معالم الطريق الذي يسير عليه جيشنا الباسل، اليوم وكل يوم نستذكر معركة ميسلون وبطلها الشهيد يوسف العظمة ورفاقه، ونستذكر معها كل معركة خاضها جيشنا العربي السوري، ولاتغيب عن ذاكرتنا منعطفات الخطر التي واجهت رجالات الاستقلال الوطني في ذلك الحين والمفازات الصعبة التي اجتازوها حينذاك، والرفض الذي دفعوا ثمنه من حياتهم ومن دمائهم… فكل تضحية قُدمت وكل قطرة دمٍ سالت من شهدائنا الأبرار هي قاعدة أسست لبناء جيش متماسك شامخ في وجه المؤامرات والمخططات الهدامة.
في ذكرى ميسلون لاننسى قصيدة عمر أبو ريشة (عروس المجد) التي تحولت إلى أهم أغنية وطنية منذ غنتها سلوى مدحت بلحن فيلمون وهبه أواخر أربعينات القرن الماضي، حيث كانت (عروس المجد) دائمة الحضور في الإذاعة السورية على امتداد أيام حرب تشرين التحريرية عام 1973، والتي تقول:
كمْ لنَا من ميســــــــــلون نفضَتْ عن جناحيها غبـــارَ التــــــــعبِ
كمْ نبتْ أســـــــــــيافُنا في ملعبٍ وكبتْ أجيادنا في ملـــــــــــــعبِ
شـــــرفُ الوثبةِ أنْ تُرضيَ العُلا
غُلِبَ الواثــــــــــــبُ أمْ لم يُغْلَبِ
في حضرة ميسلون هذا العام ترتدي مواسم السوريين حلتها من واقع الحال، وهي تحتفي بأخبار الانتصارات التي حققها السوريون على مدى 13 عاماً ولاتزال على مختلف الجغرافيا السورية، في معركة ميسلون ترتسم في وجدان السوريين معاني الصمود والتضحية الحاضرة في يومياتهم وأفعالهم ومواقفهم لتؤكد يوماً بعد يوم أننا القابضون على جمر الحياة، وأننا أحفاد يوسف العظمة وسلطان باشا الأطرش وأحمد مريود وصالح العلي أصحاب الإرادة التي أورثت السوريين القدرة على الصمود والثبات وقلب المعادلات.