الملحق الثقافي- حبيب الإبراهيم:
يُشكّل التّراث مخزوناً حيوياً هاماً لتقدم وتطور أية أمة لغناه وحيوته، وما يحتويه من تعدد لأوجه الثقافة والمعرفة والفنون والآداب و…
وعندما نقول التّراث نعني أصالة الماضي وروح الحاضر، فكلّ ما أنتجه الإنسان في هذه البقعة أو تلك، من منجزات مادية وغير مادية، وما أبدعته العقول من شعر وآداب ورسوم وأساطير وحكايات و… يشكّل أحد أهم عوامل الهويّة الثقافية والانتماء.
ويتّسم التّراث العربي بالحيويّة والأصالة والعراقة والتعبير عن أوجه الحياة المختلفة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فهو الحبل السّري للبقاء والديمومة والتقدم والتطور والانطلاق إلى مراحل متميزة من التجديد، لذلك يمكن القول أن التراث جامع لكل ما أبدعه الإنسان فوق هذه الأرض حيث ينتقل مع الأجيال من مرحلة إلى أخرى.
والتراث كما جاء في مقالة الدكتور محمود السيد (عصرنة التراث) والتي نُشرت ضمن كتاب دراسات سياسية _2_لعام 2003 والصادر عن القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي ((يشمل كل ما خلفته لنا الأجيال السابقة في مختلف الميادين الفكرية والأثرية والمعمارية وآثار ذلك في أخلاق الأمة وأنماط عيشها وسلوكها، فهو منجز تاريخي لاجتماع إنساني في المعرفة والقيم والتنظيم والصنع، وهو كل ما هو حاضر في وعينا الشامل مما ينحدر إلينا من التجارب الماضية في المعرفة والقيم والنظم والمصنوعات والحضور..)) ص(88)
والتراث عملية تراكمية تزداد غنى ً من مرحلة زمنية إلى أخرى، وتنتقل بكل هذه التراكمات من جيل إلى آخر، وكل جيل يضيف إليها من عقله وفكره ومعارفه وطرق عيشه وأنماط سلوكه بما يناسبه، قد يتخلى عما لا يناسب عصره ليطور ما يراه هاماً وضرورياً وهكذا…
وتأتي أهمية التراث من خلال التمسك بالهوية الثقافية، وترسيخ المبادىء والقيم، وتعزيز روح الإبداع وربط الحاضر بالماضي، من خلال وشائج ثقافية واجتماعية وفكرية، والانطلاق إلى مستقبل أكثر تقدماً وانفتاحاً على روح العصر وتقنياته وابتكاراته التي لا تتوقف عن حد معين.
صحيح أن التراث المادي على غناه وتنوعه وتعدد وظائفه وأشكاله من آثار كالقلاع والحصون والقصور والمساجد والكنائس والأديرة والخانات والأسواق والمتاحف والمباني التاريخية و… والمواقع الطبيعية والتشكّلات الجيولوجية، تشكل بمجملها التراث المادي وضرورة حمايته وصيانته وتعريف الأجيال بأهميته التاريخية والثقافية للحضارة الإنسانية، فإن التراث اللامادي لا يقل أهمية كونه ينتقل شفاهاً من جيل إلى آخر ويعبر عن مستوى الحياة الاجتماعية والثقافية و التطور والتفكير، وطقوس الحياة المختلفة مثل الأغاني الشعبية والقصص والحكايات والأهازيج وطقوس الأعياد و العمل ومواسم الجني و… وهذا بمجمله يحتاج إلى التوثيق والحفظ والأرشفة من خلال هيئات حكومية وأهلية حفاظاً على استمراريته والاطلاع عليه وتعريف الأجيال المتعاقبة بأهميته.
وبهذه المناسبة أذكر أنني قرأت في التسعينيات خبراً في مصر يقضي بتشكيل لجان مهمتها زيارة المدن والأرياف والنجوع والالتقاء بالناس وكبار السن لتسجيل وتوثيق التراث اللامادي في كل أنحاء الجمهورية.
إن مثل هكذا إجراء يحفظ التراث اللامادي من الضياع والاندثار وخاصة أصبح التوثيق والأرشفة في أيامنا هذه أكثر يسراً و سهولة وأقل وقتاً وهذا الإجراء يتم بين وقت وآخر من خلال المراكز والمحطات الثقافية، لكن يمكن لوزارة الثقافة أن تطلق مشروعاً وطنياً للحفاظ على التراث اللامادي وغير المحفوظ أو موثق بشكل رسمي ويشمل الأشعار والأغاني الشعبية والقصص والأساطير والعادات والتقاليد والأعراس والأهازيج وغيرها من فنون وآداب و…
قولاً واحداً التراث يعني الهوية والانتماء يتوجب حمايته والحفاظ عليه من الاندثار والضياع والعمل على تطويره وتجديده وتفعيل دوره بما يتناسب مع روح العصر.
العدد 1199 – 30 -7-2024