رفاه الدروبي
يرى المؤرِّخ العربي المعاصر فيليب حتي «أنَّ سورية كانت مركزاً مهمَّاً لفن الطلاء الزجاجي، المُنتمية إليه حرفة القاشاني أو الخزف الدمشقي»، إذ تميَّزت دمشق بأنها مهدٌ للفن والإبداع عبر العصور، وكان للفن نفسه دور مهم في حرفة تراثية اشتهرت بها مدينة الفيحاء لأنها تجسِّد أصالة وفن الحرفيين بقطع فنية تروي ما شهدته المدينة عبر التاريخ.
مدرِّبة القاشاني في مركز التدريب المجاني للحرف التراثية التقليدية اليدوية الدمشقية هبة الله صالح اعتبرت فن الخزف القاشاني «الخزف الدمشقي» أحد فنون الزخرفة والرسم على الطبقة تحت الزجاجية «الغليز» حيث تغطيه، ويعود تاريخ التقنية نفسها إلى القرن التاسع من خلال موجودات متحفية معروضة في قصر الحير الشرقي في البادية السورية، لافتةً إلى أنَّها شهدت ازدهاراً واسعاً في العصر المملوكي بعد أن لمعت أسماء العديد من الخزَّافين الدمشقيين مَنْ اشتهروا بتوقيعاتهم على خلفية القطع الخزفية، ومنهم غيبي الشامي وابن التوريزي صاحب البلاطات القاشانية الشهيرة في جامع التوريزي وأضرحة أخرى عديدة، كما لمعت أسماء بعض النساء اللواتي امتهنَّ الحرفة نفسها وأنتجنَّ أجمل القطع الفنية بحرفية عالية.
وأشارت هبة الله إلى أنَّها امتهنت صناعة القاشاني إلى جانب دراستها في السنة الرابعة بكلية الطب البشري، موضِّحةً بأنَّ المكوِّن الأساسي لخزف القاشاني التربة البيضاء «الغضار»، ويتمُّ معالجتها لتصبح قابلة للتشكيل في قوالب جصية أو على الدولاب اليدوي، ثم تُشوى على أفران خاصَّة ذات حرارة عالية تصل إلى ١١٠٠ درجة بعد عملية الشَّيِّ الأولى، حيث تتخلص القطع من السوائل والشوائب وتصبح جاهزة للرسم وتنزيل الألوان، منوِّهةً بأنها تختار الزخارف بعناية فائقة كون الخزف الدمشقي مشهوراً بزخارفه النباتية وبالخط العربي ما يزيد القطع جمالية.
ولفتت الصالح إلى أنَّ أبرز مميزات الخزف الدمشقي ألوانه الزاهية المحصورة بخمسة ألوان: الأخضر، الأحمر، الأسود، السماوي، إضافة إلى لون الكوبالت الدمشقي الشهير، وفي المراحل الأخيرة يتمُّ تغطيس القطع بالمادة الزجاجية وتنصهر في الفرن وتُزجَّج القطع القاشانية بعد إتمام الزخارف والتلوين بالأكاسيد الحرارية.
التالي