منذ خمسة عقود وبحرنا المتوسطي يستقبل مكرهاً مياه الصرف الصحي الموجهة إليه من بلديات محافظتي اللاذقية وطرطوس المطلة عليه، و تصب فيه مباشرة بدل أن تنتهي إلى محطات معالجة ومن ثم إليه، كما في أغلب المدن الشاطئية ..وللأسف لا نعرف كم من السنوات القادمة سيبقى بحرنا في حالة من الوجع الذي يعانيه في ظلّ هذا الواقع المؤلم ولاسيما أن أصحاب القرار المتعاقبين ذوي العلاقة أفلحوا في التصريحات والوعود وفشلوا في التنفيذ والمصداقية !
نعم.. نعود للقول إنهم فشلوا فشلاً ذريعاً على مدى نحو خمسة عقود مضت (أي قبل الأزمة والحرب ومن ثم خلالها وحتى الآن) في إنجاز المشاريع التي تعاقدت عليها الدولة لحماية هذا البحر -بمياهه وثرواته ورماله- من التلوث، وكانوا كلما سألناهم عن مشروع محطة رفع أو ضخ هنا، وعن مشروع محطة معالجة هناك يتهربون تحت حجج مختلفة، أو يجيبوننا بكلام إنشائي معسول يفتقد للدقة والمصداقية، وهذا ما أثبتته الأيام والسنون، وأكده واقع هذه المشاريع المتوقفة أو المتعثرة ليس خلال فترة الأزمة والحرب التي نعيشها إنما قبلها بسنوات وسنوات!
الأمثلة معروفة للجميع، وواضحة وضوح الشمس، بدءاً من محطة ضخّ مشوار في مدينة طرطوس التي مضى على البدء بتنفيذها نحو خمسة وأربعين عاماً، مروراً بمحطة رفع الغمقة ومحطة ضخ العجمي، وعدة محطات شمال وجنوب طرطوس التي مضى على المباشرة فيها بضعة عقود، وليس انتهاءً بمحطة المعالجة الرئيسية للصرف الصحي بالمدينة التي وضع حجر الأساس لها عام 2008 عند مكتب نقل البضائع شمال المدينة على أن تنفذ خلال 4 سنوات، لكن العمل توقف فيها دون أن ينفّذ فيها أي شيء يذكر.
لقد أنفقت الدولة المليارات على مشاريع الصرف الصحي الهادفة لإنهاء التلوث عن البحر وتخليصه من الأوجاع المؤلمة، وبسبب عدم استثمارها وفق الدراسات الفنية التي سبقت التعاقد وتركها عرضة للعوامل الجوية، فقد تمّ هدر الكثير من المبالغ المالية التي صرفت عليها سواء في خطوط الضخ من الغمقة ومشوار حتى محطة المعالجة أو في غيرها الكثير.. ولا ندري إن كان مسلسل الهدر سيستمر، إلى جانب مسلسل التأخير والتعطيل والإهمال وعدم المساءلة والمحاسبة البارعين في كتابته وإخراجه وعرضه!.
وأختم بالقول إن الكثير مما شهدته وتشهده طرطوس في هذا المجال شهدته وتشهده بقية بلداتنا ومدننا البحرية التي جعلت بحرنا المتوسطي الجميل مصباً لصرفها اللاصحي، ثم تركته يئن ويناشد من بيده الحل والربط لإنقاذه من دون جدوى حتى تاريخه.. ويا للأسف!.