الثورة – طرطوس – تحقيق فادية مجد:
يبدو أن تسمية مدينة الدريكيش بمدينة الحرير سيصبح ذكرى لماض وتراث عريق أفل، بعد اندثار تربية دودة الحرير، وعزوف أغلب المربين عن التربية، وبالتالي وأد صناعة الحرير الطبيعي في هذه المدينة التي اشتهرت بها على المستوى المحلي والخارجي، بعد توقف معمل الحرير الوحيد فيها عن الإنتاج منذ عام ٢٠٠٩.
وعلى الرغم من طرح المشكلة مراراً وتكراراً، مازالت الأمور على حالها، وأغلب المربين تركوا التربية لغياب الدعم، وعدم وجود سوق لتصريف إنتاجهم يحقق لهم الربح المناسب من دون خسائر.
وخلال الأشهر الماضية تم استيراد علب بيوض لدودة القز من دولة الهند, فما هي حصة محافظة طرطوس منها، أضف إلى ذلك.. ما هي أوجاع المربين، وما هو دور مديرية الزراعة في دعم المربين لاستمرارية هذا النوع من التربية، وبالتالي صناعة الحرير في بلدنا، والذي لا يضاهيه بجودته أي حرير آخر، وهل ستكون خطوة الاستيراد أولى الخطوات والتحركات التي ستفتح الطريق لإعادة تشغيل معمل الحرير الوحيد في سورية، وبالتالي استعادة تراث عريق وصناعة اشتهرت بها هذه المحافظة؟.
واقع التربية
صحيفة “الثورة” التقت عدداً من المربين للوقوف على مشكلاتهم، وتحدث المهندس الزراعي والمربي هاشم خدام من منطقة الصفصافة أنه مرب جديد، وعليه بدأ بالتعلم مع بداية فصل الربيع، وأصبح لديه 12علبة، ويحتفظ بها للإنتاج حتى تفعيل آليات الدولة، لأن التجار يحاولون الشراء بثمن بخس، ويوهمون المربين بأنهم هم من يستطيع شراءه، وإلا لا أحد سيشتريها منهم.
ولفت إلى أن مديرية زراعة طرطوس تعمل على تنشيط العمل وتحريك العملية التسويقية، وباهتمام مباشر من وزير الزراعة من خلال إنشاء لجان اقتصادية وفنية لتقييم الإنتاج، والأسعار المناسبة مع تكاليف العملية الإنتاجية وبدقة.
وأشار إلى أن أبرز الصعوبات التي تواجههم عدم وجود أي دعم، أو اهتمام من أحد باستثناء ما يتم تقديمه من دعم من قبل مديرية زراعة طرطوس حسب الإمكانيات المستطاعة، مشيراً إلى أن عملية التسويق تعتبر المعرقل لهذا القطاع وتقف أمام استمرار عمل المزارع ناهيك عن شراء إنتاجه بثمن بخس، مع العلم أن الحرير الطبيعي مرغوب في الأسواق العالمية، وله مرتبة متقدمة في عالم البورصة لدخوله في مجالات واسعة من عالم الصناعة حتى الدقيقة منها، وكذلك الطبية.
وأضاف خدام: عملية تربية دود القز عملية ممتعة و متعبة في الوقت نفسه، ويستطيع أي مواطن ريفي أن يمتهنها وتدر عليه مدخولاً جيداً في حال تم إعادة تفعيل المعامل القديمة والطرق القديمة للتصريف بأقل تقدير ممكن، من دون طلب ما اعتبره شبه مستحيل في الوقت الحالي لجهة إيجاد أسواق خارجية يكون لها مردود عال جداً.
مطالب..
وطالب المربي خدام بزيادة الاهتمام بهذا القطاع لأن له أهمية ممتازة في رفع الاقتصاد الوطني، وتشجيعه من خلال توزيع أشجار التوت، ومتابعة توزيع البيوض المهجنة التي تتحمل أعباء استيرادها وزارة الزراعة مشكورة.
خسائر..
أغلب من تواصلنا معهم من المربين امتنعوا عن الحديث عن مطالبهم بعد تركهم للتربية منذ سنوات والخسائر التي تكبدوها لعدم تسويق إنتاجهم, ومنهم المربي والمهندس سمير أسعد والذي أفاد أنه ترك التربية منذ عام ٢٠١٨، لعدم تصريف إنتاجه وخسارته الكبيرة جراء ذلك.
٢٢ مربياً للسلالة المستوردة
رئيس دائرة وقاية النبات في مديرية زراعة طرطوس وائل حسين ذكر أنه تم الإعلان من قبل وزارة الزراعة- مديرية وقاية النبات للاكتتاب على بيوض حرير مستوردة، رغبة بتشجيع وتحسين تربية دودة الحرير لما لها من قيمة تراثية واقتصادية، فقد بلغ عدد المربيين لهذا العام 22 مربياً للسلالة المستوردة، كان إنتاج البعض جيدا، وبلغ إنتاج العلبة الواحدة 25-30 كيلو شرانق عند بعض المربيين، وكان هناك خسارة عند بعض المربيين لأسباب تعلقت بأوراق توت شامية، ومرشوشة من دون علم منهم، وارتفاع درجات الحرارة الذي أدى لضعف الإنتاج عند البعض وصل إلى 4-5 كيلو للعلبة الواحدة، وقامت مديرية زراعة طرطوس من خلال مركز تربية حاموش رسلان بتفقيس البيوض وتسليمها للمربين ببداية العمر الثاني.
ونوه إلى أنهم مازالوا حالياً في طور تقييم هذه السلالة من حيث كمية الإنتاج وجودة وحجم الشرانق، لافتاً إلى أن السلالة المستوردة ربيت في مناطق الدريكيش والشيخ بدر والصفصافة، في حين تتركز تربية دودة الحرير بشكل عام في الدريكيش، الصفصافة، البساتين، بانياس- الشيخ بدر.
إجراءات المديرية
وأشار حسين إلى قيامهم بتشجيع المربيين والتواصل معهم، وهنالك تواصل يومي ضمن مجموعة تواصل اجتماعي لعرض واقع التربية والصعوبات والعقبات التي تصادفهم أثناء التربية، وتوجيه النصائح والتعليمات اللازمة، مشيرا إلى تشكيلهم لجنة فرعية في المحافظة قامت بتنظيم جداول بأسماء المربيين والتواصل معهم وزيارتهم، وتحديد مواقع لزراعة أشجار التوت فيها، ومنحها للمربين.
ولفت إلى أنه مع مطلع الأسبوع القادم سوف نرفع قيمة تكلفة إنتاج الكيلو غرام الواحد من الشرانق، بحيث لا يقل بيع الكيلو غرام الواحد من الشرانق عن مئة ألف ليرة كحد أدنى، منوهاً بأن الحرير سعره قليل جداً مقارنة مع دول الجوار ومصر والهند وتركيا.
وأوضح أن المربي عندما يجد جدوى اقتصادية من التربية حتماً سوف يستمر في عملية التربية، مؤكداً أنهم كمديرية زراعة ووزارة ينحصر دورهم، كجهة داعمة فنية للحفاظ على هذه التربية لما لها من أهمية تراثية واقتصادية، وزيادة عدد المربين وتفقيس البيض، وتأهيل المربين وتدريبهم.
التوجه للاستيراد
وعن سبب توقف الإنتاج المحلي بدل اللجوء للاستيراد يبين مدير دائرة وقاية النبات بزراعة طرطوس أن إنتاج البيوض من سلالة واحدة، ومن خلال تعاقب أجيال السلالة الواحدة يؤدي إلى اختفاء المورثات السائدة، والتي تعتبر إيجابية من حيث نوع وكمية الشرانق، فتظهر المورثات المتنحية التي تسبب ضعف إنتاج الشرانق نوعاً وكماً، مبيناً أن ما سبق حدث في السلالة المحلية التي تم الاعتماد على إنتاج البيوض منها على مدى سنوات الحرب والأزمة، موضحاً أنه لتفادي ذلك كان لابد من تحسين السلالة من خلال استيراد بيوض محسنة، أو اعتماد البحوث العلمية لتطوير سلالات محلية محسنة.
توزيع غراس توت
وعن توزيع غراس التوت، ذكر أنهم وزعوا العام الماضي أعداداً كبيرة وبشكل مجاني على المزارعين، ويوجد هذا العام أكثر من 5000 غرسة سنقوم بتوزيعها للمربيين الراغبين مجاناً، مؤكداً أن عملية تسويق الإنتاج ليست من اختصاصهم، وستقوم غرف الزراعة بالعملية التسويقية.
مركز حاموش رسلان
من جانبها رئيس مركز تربية دودة الحرير في حاموش رسلان المهندسة ميرفت مهنا أفادت أنه قد تم إنشاء المركز في منطقة النحال التابعة لمدينة الدريكيش، وهو المركز الوحيد على صعيد المحافظة عام ٢٠٠٥، كخطوة من خطوات الدعم وإعادة إحياء تربية دودة الحرير، ويقوم المركز بتحضين وتفقيس وتربية اليرقات حتى نهاية العمر الثالث، وتوزيعها مجاناً على المربين، وبالتالي اختصار مدة التربية لدى المربي من ٤٥ يوماً إلى ٢٥ يوماً فقط، إضافة إلى الحد من ظهور أمراض دودة الحرير والتي تبدأ خلال الأعمار الصغيرة بسبب خلل في ظروف التربية، مع توجيه المربين لحل الشرانق وتحويلها إلى خيوط حرير في محافظة اللاذقية، وتوجد آلة لحل الشرانق مجاناً، إضافة لقيامنا في المركز بحصر كمية الشرانق المنتجة لدى المربين، وذلك لتحديد الكمية المنتجة بشكل عام مع رفع جداول اسمية بأسماء المربين، وعدد العلب المستلمة وكمية الشرانق المنتجة.
آلية عمل
وذكرت مهنا أنه نتيجة الأزمة التي مرت بها سورية توقف استيراد البيض (سلالات جديدة) منذ عام 2010، ولذلك قام المركز بالعمل على إنتاج بيض محلي وتحضينه وتوزيعه على المكتتبين حتى لا تتوقف عملية التربية، وبشكل مجاني بالرغم من الإمكانيات المتواضعة في المركز، حيث تم الإنتاج على مدار خمسة عشر عاماً لبيض محلي وتوزيعه على المربين الراغبين بالتربية بعد التحضين.
ولفتت إلى أنه هذا العام قد قام القطاع الخاص بالتعاون مع وزارة الزراعة باستيراد مئة علبة بيض بسلالة هندية المنشأ، وتوزيعها على المزارعين الراغبين بالتربية على مستوى المحافظات، فقد بلغ عدد العلب المستوردة الموزعة على صعيد المحافظة ٣ علبة زنة ١٨غ، فيما يصل عدد البيض إلى ٣٠٠٠٠٠ بيضة، ويتم حالياً إنتاج بيض من السلالة الهندية ليكون البيض مخزناً للعام القادم ٢٠٢٥ في حال لم يتم الاستيراد، مضيفة أن المركز بالتربية (ثلاث عروات … ربيعية- صيفية- خريفية) في حال وجود مكتتبين، وأن إنتاج المركز من البيض المحلي بلغ ثلاثين علبة بيض، ومازال العمل جارياً لإنتاج بيض من العروة الصيفية والخريفية أيضاً.
مقترحات لإنعاش التربية
ورأت مهنا أن مطالب المربين يمكن إجمالها بما يلي: زيادة سعر شرانق الحرير وخيوطها، حيث إن السعر الحالي يعتبر قليلاً ومنخفضاً قياساً بجودة الحرير وقيمته قياساً مع الأسعار الصفيحة الواحدة، مع ضرورة استيراد سلالات هجينة من مصادر مختلفة وإيقاف العمل بالبيض المحلي كونه قليل الإنتاج قياسا بالسلالات المستوردة.
قروض تشجيعية
ولفتت إلى أنه لزيادة إنعاش تربية دودة القز لابد من العمل على استيراد بيوض هجينة وتوزيعها بأسعار تشجيعية مع إعادة الدعم الحكومي وزيادته، فكان يخصص مبلغا ماليا لكل كيلو شرانق يتم إنتاجها لدى المربي، كما يتوجب أيضا توزيع غراس توت مجانية على الراغبين بالتربية، مع فتح قروض تشجيعية حكومية للمربين بفوائد قليلة تخص بيوت التربية ومستلزماته، إضافة لإقامة مشاريع تربية جماعية مع العمل على إيجاد سوق تصريف بإشراف حكومي وبأسعار مرضية.