تحقيق – مازن جلال خيربك:
عصر جديد بدأ في الأسواق العالمية عنوانه الذهب بعد تحطيمه لكل المحرّمات التي كان لها القدسية في سلوك ونواميس أسواق المال العالمية، فالمعدن الأصفر الذي كان له ضوابط وحدود تنظم التعامل به وأسعاره، حطّم كل ما يقيده وانطلق على هواه فالتاً من عقاله وحبله على غاربه، الأمر الذي يعني بعبارة أخرى أن الذهب من بات يحدد سعره للسوق، وليست السوق من يحدد سعر الذهب لديها.
نقيب الصاغة غسان جزماتي وفي حديث خاص لصحيفة الثورة بيّن أن سعر الأونصة اليوم (الثلاثاء 13/8/2024) سجلت ارتفاعاً مهولاً لتصل إلى 2466 دولاراً، عازياً ارتفاعها إلى الأزمات والتوترات في المنطقة والإقليم، كون رؤوس الأموال والادخار يتجه نحو الذهب بدلاً من الاستثمار في أوقات الأزمات.
المؤثرات العالمية
وبتفصيل أكبر يوضح جزماتي أن سعر غرام الذهب في السوق المحلية بات متأثراً بشكل كامل بل ويمكن القول إنه أسير الأسعار العالمية في البورصات بالنظر إلى استقطاب العالمية لكل العوامل المؤثرة مقابل برود مستمر منذ نحو خمسة أشهر، وحتى اليوم في عوامل التأثير المحلية، قاصداً بذلك استقرار سعر الصرف شبه الكامل منذ خمسة أشهر، وحتى اليوم دون تغيير يذكر أي دون تغيير قادر على التأثير في سعر الذهب، الأمر الذي يجعل كل العوامل المحلية براء من ارتفاع سعر الذهب غير المنطقي، والذي يمكن وبجردة سريعة استعراض سعره والقفزات التي حققها، فاليوم سعر الغرام 1013000 ليرة سورية، وقبل يوم واحد كان سعره 1004000 ليرة أما قبل يومين فسعره كان 985 ألف ليرة، وهو سعر استمر لنحو أربعة أيام في حين كان قبل 6 أيام 990 ألف ليرة، أما قبل 7 أيام فكان سعره 999 ألف ليرة سورية، أي أنه ارتفع منذ ثمانية أيام، وحتى اليوم بمقدار 27 ألف ليرة سورية.
عوامل بناء السعر
نقيب الصاغة بيّن أن أسعار الذهب تأثرت خلال الفترة الماضية بشكل واضح بالتوترات الجيوسياسية، وأن الصعود الأخير من 2200 دولار للأونصة إلى 2430 كان بسبب تلك التوترات التي يمكن إن استمرت وتصاعدت أن توصل الذهب إلى مستويات سعرية أعلى مما هي عليه الآن، لافتاً إلى أن ارتفاع الذهب إلى مستوى 2240 دولار، يمكن اعتباره تمهيد لاحتمالية الصعود إلى مستويات أعلى قريبة من 2500 دولار للأونصة على المستوى القصير.
أما على المستوى البعيد فيستند نقيب الصاغة إلى ما يرد من معلومات تحليلية من البورصات والأسواق العالمية، والتي ترشّح الذهب للوصول إلى مستويات 2700 بل وحتى 3000 دولار، لافتاً إلى أن المعطيات تقول بأن سعر 2000 دولار للأونصة بات من الماضي، ولا يمكن توقع العودة إليه على المدى الطويل الاستراتيجي.
مشتريات رؤوس الأموال
العوامل الأخرى التي يلفت إليها جزماتي في حديثه عن ارتفاع سعر الذهب عالمياً هو إقدام البنوك المركزية على شراء كميات كبيرة من الذهب خلال الأشهر السبعة الاخيرة، لاسيما وأن سعر الذهب ارتفع نتيجة ذلك بداية بمقدار 12% منذ بداية العام الجاري وحتى اليوم، لافتاً إلى أن مشتريات الذهب من قبل البنوك المركزية بالدرجة الثانية والأفراد بعينهم (بما فيهم المستثمرون ومحققو الأرباح في البورصات) بالدرجة الأولى تأتي نتيجة التوترات الكبيرة التي يشهدها العالم في الفترة الحالية، ما يعني أن الذهب هو الوعاء الادخاري الأكثر أماناً من الدولار ومن الاستثمار (الوجه الآخر لعملة الدولار) ولذلك في فترات التوتر وعدم الثقة استثمارياً واقتصادياً تتجه رؤوس الأموال بمختلف أشكالها إلى شراء الذهب والتحوط به من قادمات الأيام، في ظل مؤشرات اقتصادية لا تقف عند التضخم وانهيار الطلب في أسواق العقارات، أي وبعبارة أخرى فإن الذهب ملاذ أمن لكل اقتصاد يعاني الفشل أو الانهيار.
سداد “الإنفاق الاستهلاكي”
نقيب الصاغة كشف عن ضغط في الهند والصين وكازاخستان لافتاً إلى أن النقابة تلقت مطالب من قبل الصاغة لتغيير مواعيد سداد المتوجب عليهم من رسوم الإنفاق الاستهلاكي، وهو الأمر الذي استفسرت عنه “الثورة” من الصاغة أنفسهم والذين تتمحور وجهة نظرهم بوجوب أن تكون لمدة ربعية أي كل ثلاثة أشهر بدلاً من السداد الشهري تبعاً لما يعتري المسألة من تعطيل للصائغ ليوم أو يومين من كل شهر مضاف إليها ثمانية أيام عطلة (قاصدين الأحد الذي يعطل فيه الصاغة والجمعة الذي يكون عطلة في كل البلاد ولا يشهد أي عمليات بيع)، ناهيك عن صعوبة العملية كل شهر بسبب الازدحام في الكوّات والمكاتب وغياب الكهرباء وكل ذلك يعني الانتظار لساعات أو العودة تالياً، بالتوازي مع أن بعض البرامج تتعطل أحياناً أو حتى لا تقلع الأمر الذي يجعل من السداد الربعي مسألة أكثر راحة (وفقاً لوجهة نظر الصاغة).
“الخام” المفقود إقليمياً
وبالنسبة لأسواق الذهب محلياً قال جزماتي إن الوضع حالياً مختلف عما مضى، نظراً لفقدان الذهب الخام في الأسواق المجاورة، ولا سيما منها سوق بيروت التي كان الذهب الخام يدخل منها إلى البلاد والذي يعتبر ثروة مهمة داخلة إلى الداخل، أما الآن فما من غرام واحد من الخام في كل سوقها، مشيراً إلى أن الخام وعدا عن كونه ثروة، فهو يعتبر ضرورة لكونه يسهّل على الورشات تحويله إلى ذهب عيار 21 و18 قيراطاً بالنظر إلى أن الكثير من الآلات لا تعمل إلا بالذهب الخام لصعوبة التعامل مع الذهب الكسر (المستعمل) كونه قاسي، ما يؤدي إلى تلف وتآكل رؤوس الآلة، كاشفاً عن وجود ورشات ثلاث فقط في كل السوق قادرة على التعامل مع الذهب الكسر لتحويله إلى خام خالٍ من الشوائب عبر عملية كيميائية يدوية صعبة.
35 كغ أسبوعياً
وفيما يتعلق بالذهب الوارد من القامشلي قال نقيب الصاغة إن الذهب يصل بانتظام كل أسبوعين بكمية تتراوح بين 30 إلى 35 كغ أي بمعدل 60 إلى 70 كغ من الذهب الخام شهرياً، لافتاً إلى أن هذه العملية شديدة الأهمية لتشغيل ورشات الـ”21″ لأن الذهب المسموح بنقله إلى القامشلي هو من عيار 21 قيراطاً حصراً ما يعني تشغيل الورشات وتأمين المداخيل لعمالها.
أسعار الذهب اليوم
أسعار الذهب في السوق المحلية شهدت منحنىً شديد الارتفاع حيث بلغ سعر الغرام من عيار 21 قيراطاً اليوم 1013000 ليرة سورية في حين بلغ سعر الغرام من عيار 18 قيراطاً 868286 ليرة، أما الليرة الذهبية السورية قد بلغ سعرها 8,385 ملايين ليرة، في حين سجلت الأونصة المحلية سعر 36,5 مليون ليرة، وعلى ذات المنوال نسجت الليرة الذهبية الإنكليزية من عيار 22 قيراطاً والتي بلغ سعرها 8,6 ملايين ليرة لتسجل الانكليزية من عيار 21 قيراطاً سعر 8,385 ملايين ليرة سورية.