تبدو المشكلة الاقتصادية ومستوى المعيشة المنخفض وارتفاع الأسعار وضعف الخدمات أهم ما يعانية المواطن والدولة السورية فإذا كان ثمة انعكاسات كبيرة نتيجة الحصار الاقتصادي الذي تواجهه البلاد والسيطرة على مراكز الثروة الأساسية من قبل قوى انفصالية وخارجية في شمال وشمال شرق سورية، إذا كانت هذه أسباب أساسية فيما نعانيه وما يسببه ذلك من نقص موارد الخزينة التي تمول القطاعات الأساسية في الدولة بكل أشكالها إلا أن ثمة أسباب ذاتية تتعلق بالأداء والسياسة الاقتصادية وضعف الكفاءة في استثمار الموارد المتاحة وغياب خطة طموحة للاستثمار في مطارح الاستثمار الأنجع والأشمل مرتفعة المردود، إضافة إلى عنصر هام وفاعل مغيب وهو جذب الاستثمارات الخارجية لرأس المال السوري في المغترب وتوظيفه في سورية إضافة إلى الانفتاح الاقتصادي الواسع على الرأسمال العربي والأجنبي ضمن سياسة محكمة تحسن توظيفه حيث يكون المردود عاليًا للطرفين.
إلى جانب ما تمت الإشارة إليه من عوامل قادرة على النهوض بالوضع الاقتصادي والمعيشي يمكننا الحديث عما يمكن تسميته اقتصاد الفرص والمقصود به توفير إمكانية للاستثمار الاقتصادي بكل أشكاله الزراعية والصناعية والخدمية لكل رأسمال متاح حتى لو كان في مبالغ بسيطة، وهو ذلك الذي يتيح لكل شخص أو أسرة أو مجموعة أشخاص من الاستثمار بكل أشكاله من المشاريع الصغيرة إلى متناهية الصغيرة صعودًا للمشاريع المتوسطة والكبيرة بدءًا من القرى والأرياف وصولاً للمدن بحيث يشكل حالة تراكمية وزيادة في المردود والإنتاج بحيث يتشكل رأسمالان اجتماعي واقتصادي يساهم في تشغيل أكبر عدد من القوى العاملة، ويتيح للأسرة السورية المساهمة في الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي من خلال تدعيم ذلك بتوظيف رأسمال الدولة بوصفه داعمًا ومشجعًا له وبدون ضرائب مع إتاحة الفرصة للمزارعين وأصحاب الحرف باستيراد مستلزمات الإنتاج دون عوائق مع منح إعفاءات للمواد الداخلة في عملية الإنتاج بشقيه الزراعي والصناعي وكذلك الحيواني مع التأكيد على أن سورية بلد زراعي واعد وتتوفر فيه خبرة عالية في هذا المجال آخذًا في الاعتبار الثروة الحيوانية الهائلة التي يمتلكها السوريون، ناهيك عن الاستثمار في القطاع السياحي الواعد ولاسيما السياحة الدينية وما تمتلكه سورية من أوابد تاريخية تعود لآلاف السنين ناهيك عن الساحل السوري المطل على أوروبا وما يمثله من فرص حقيقية في هذا المجال حيث البحر والمياه الدافئة والطبيعة الخلابة وفائض الإنتاج من الحمضيات التي يمكنها أن تزود معظم دول الخليج وغيرها من منتجاتها.
إن الرأسمال السوري المتواجد في دول عربية وأجنبية والمغتربين السوريين المتواجدين في أغلب دول العالم يمكن أن يكون له دور كبير في تحريك عجلة الإنتاج وتوفير رأس المال الضروري الذي نحن بأمس الحاجة إليه وهذا يحتاج إلى حراك حقيقي تقوم به الوزارات المختصة ولجان الصداقة العربية السورية مع مثيلاتها وكذلك روابط المغتربين والمجتمع المدني السوري والدبلوماسية الشعبية المعطلة ومع الأسف إن تفعيل كل هذه العناصر ضمن آلية واضحة يمكن أن يحقق نتائج جيدة بل وممتازة في عودة رأس المال السوري لبلده والمساهمة في إعادة البناء العمراني والاقتصادي استثمارًا في الروح الوطنية عند السوريين وحبهم لبلدهم ورغبتهم الأكيدة في المساهمة في إعادة بنائه ونهضته وهو البلد الذي استطاع بفضل تضحيات قواته المسلحة وثبات قيادته وصبر شعبه أن يهزم أكبر مشروع استهدف سورية ارضًا وشعبًا وهوية وانتماء.
إن الحديث عن تغيير حكومي وتغيير في المؤسسات لن يكون مجديًا إن لم يكن التغيير في النهج والسياسات والذهنية والثقة في إمكانياتنا الذاتية ورأسمالنا الوطني وقوتنا الذاتية وبناء وصناعة كوادر قادرة على النهوض بالبلاد من خلال العقل الوطني السوري والضمير الوطني النظيف وثقافة النزاهة والقيادة بالإنجاز والمحبة، فالإنسان السوري هو الأساس في كل ذلك والاعتماد على الذات هو الجوهر والسبيل لبلوغ الأهداف التي عملنا وضحينا من أجلها.