الثورة – ترجمة ختام أحمد:
ناقشت الجمعية العامة للأمم المتحدة وصوتت على قرار يدعو “إسرائيل” إلى إنهاء “وجودها غير القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة” في غضون ستة أشهر.
ونظراً لأن الجمعية العامة، على عكس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يتألف من 15 عضواً فقط، تسمح لجميع أعضاء الأمم المتحدة بالتصويت، ولا يوجد حق النقض في الجمعية العامة.
إذا فشلت “إسرائيل”، كما هو متوقع، في الاستجابة لقرار الجمعية العامة الذي يدعوها إلى سحب قوات الاحتلال والمستوطنين من غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، ثم استخدمت الولايات المتحدة حق النقض أو هددت باستخدامه ضد قرار مجلس الأمن لفرض حكم محكمة العدل الدولية، فإن الجمعية العامة قد تذهب خطوة أبعد من ذلك.
إن الجمعية العامة للأمم المتحدة قد تعقد جلسة طارئة لمناقشة ما يسمى بقرار “الاتحاد من أجل السلام”، والذي قد يدعو إلى فرض حظر على الأسلحة، أو مقاطعة اقتصادية، أو عقوبات أخرى من جانب الأمم المتحدة ضد إسرائيل ــ أو حتى الدعوة إلى اتخاذ إجراءات ضد الولايات المتحدة. ولم يتم تمرير قرارات “الاتحاد من أجل السلام” من قبل الجمعية العامة سوى خمس مرات منذ اعتماد الإجراء لأول مرة في عام 1950.
ويأتي قرار الجمعية العامة استجابة لحكم تاريخي أصدرته محكمة العدل الدولية في 19 /تموز، والذي وجد أن “المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، والنظام المرتبط بها، تم إنشاؤها ويتم الحفاظ عليها في انتهاك للقانون الدولي”.
وقد قضت المحكمة بأن التزامات “إسرائيل” بموجب القانون الدولي تشمل “إخلاء جميع المستوطنين من المستوطنات القائمة” ودفع التعويضات لكل من تضرر من احتلالها غير القانوني. ومن شأن تمرير قرار الجمعية العامة بأغلبية كبيرة من الأعضاء أن يثبت أن البلدان في جميع أنحاء العالم تدعم حكم محكمة العدل الدولية، وسوف يكون ذلك بمثابة خطوة أولى صغيرة ولكنها مهمة نحو ضمان وفاء إسرائيل بهذه الالتزامات.
لقد رفض الرئيس الإسرائيلي نتنياهو حكم المحكمة باستخفاف مدعيا أن “الأمة اليهودية لا يمكن أن تكون محتلة في أرضها”. وهذا هو الموقف الذي رفضته المحكمة على وجه التحديد، حيث قضت بأن الغزو العسكري الإسرائيلي واحتلاله للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 لم يمنحها الحق في توطين شعبها هناك، أو ضم تلك الأراضي، أو جعلها جزءاً من إسرائيل.
منذ تشرين الأول الماضي، قتلت قوات الاحتلال و المستوطنين المسلحين في الضفة الغربية والقدس الشرقية ما لا يقل عن 700 شخص، بينهم 159 طفلاً .
لقد كان تصعيد العنف والاستيلاء على الأراضي صارخا إلى درجة أن حتى حكومات الولايات المتحدة وأوروبا شعرت بأنها ملزمة بفرض عقوبات على عدد صغير من المستوطنين العنيفين ومنظماتهم.
في غزة، كان الجيش الإسرائيلي يقتل الفلسطينيين يوماً بعد يوم طيلة الأشهر الإحدى عشر الماضية. وقد أحصت وزارة الصحة الفلسطينية أكثر من 41 ألف فلسطيني قتلوا في غزة، ولكن مع تدمير المستشفيات التي تعتمد عليها الوزارة في تحديد وإحصاء القتلى، لم يعد هذا العدد الآن سوى جزء من حصيلة القتلى. ويقدر الباحثون الطبيون أن العدد الإجمالي للوفيات في غزة نتيجة للنتائج المباشرة وغير المباشرة للأفعال الإسرائيلية سوف يصل إلى مئات الآلاف، حتى لو انتهت المذبحة قريباً.
لا شك أن إسرائيل والولايات المتحدة أصبحتا أكثر عزلة نتيجة لدورهما في هذه الإبادة الجماعية.
ومن خلال الفشل في استخدام أي من نفوذها الكبير للضغط على “إسرائيل”، وإلقاء اللوم بشكل مخادع على “حماس” عن كل فشل في المفاوضات، يضمن المسؤولون الأميركيون استمرار الإبادة الجماعية طالما أرادوا هم وحلفاؤهم الإسرائيليون، في حين يظل العديد من الأميركيين في حيرة بشأن مسؤولية حكومتهم عن استمرار إراقة الدماء.
إن هذا هو استمرار للاستراتيجية التي اتبعتها الولايات المتحدة لإعاقة ومنع السلام منذ عام 1967، حيث تظاهرت زوراً بأنها وسيط نزيه، بينما ظلت في واقع الأمر أقوى حليف لإسرائيل والعقبة الدبلوماسية الحاسمة أمام قيام فلسطين حرة.
ولعل الأزمة الأكثر تجسيدا لفشل الأمم المتحدة والنظام الدولي هي الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ 57 عاما للأراضي الفلسطينية التي غزتها إسرائيل في عام 1967. وفي الوقت نفسه الذي قامت فيه الولايات المتحدة بتسليح إسرائيل حتى العظم، استخدمت حق النقض ضد 46 قرارا لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إما كانت تلزم إسرائيل بالامتثال للقانون الدولي، أو تدعو إلى إنهاء الاحتلال أو إلى إقامة دولة فلسطينية، أو تحاسب “إسرائيل” على جرائم الحرب أو بناء المستوطنات غير القانونية.
على مدى عقود عديدة، كان موقف الولايات المتحدة الفريد المتمثل في الدعم غير المشروط لإسرائيل عاملاً حاسماً في تمكين إسرائيل من ارتكاب جرائم الحرب وإطالة أمد المحنة التي لا تطاق للشعب الفلسطيني.
وفي الأزمة في غزة، يتورط التحالف العسكري الأميركي مع إسرائيل والولايات المتحدة بشكل مباشر في جريمة الإبادة الجماعية، حيث تزود الولايات المتحدة إسرائيل بالطائرات الحربية والقنابل التي تقتل أكبر عدد من الفلسطينيين وتدمر غزة حرفياً. كما تنشر الولايات المتحدة ضباط اتصال عسكريين لمساعدة إسرائيل في التخطيط لعملياتها، وقوات عمليات خاصة لتوفير المعلومات الاستخباراتية والاتصالات عبر الأقمار الصناعية، ومدربين وفنيين لتدريب القوات الإسرائيلية على استخدام وصيانة الأسلحة الأميركية الجديدة، مثل طائرات إف-35 الحربية .
إن الدور الأميركي أكبر من مجرد التواطؤ ــ إنه مشاركة أساسية وفعالة، والتي بدونها لم يكن بوسع الإسرائيليين أن يرتكبوا هذه الإبادة الجماعية في شكلها الحالي.
وبسبب الدور الأساسي الذي لعبته الولايات المتحدة في هذه الإبادة الجماعية، فإن الولايات المتحدة تمتلك القدرة على إنهاء هذه الإبادة، ليس من خلال التظاهر بالتوسل إلى الإسرائيليين لكي يكونوا أكثر “حذراً” بشأن الخسائر بين المدنيين، ولكن من خلال إنهاء دورها الأداتي في الإبادة الجماعية.
إن كل أميركي ذو ضمير حي ينبغي له أن يواصل ممارسة كل أنواع الضغوط على حكومتنا، ولكن طالما استمرت في تجاهل إرادة شعبها، وإرسال المزيد من الأسلحة، واستخدام حق النقض ضد قرارات مجلس الأمن، وتقويض مفاوضات السلام، فإن الأمر يتوقف بشكل افتراضي على جيراننا في جميع أنحاء العالم لحشد الوحدة والإرادة السياسية لإنهاء الإبادة الجماعية.
لا شك أن توحيد العالم ضد إسرائيل والولايات المتحدة لإنقاذ فلسطين وتنفيذ قرار محكمة العدل الدولية القاضي بضرورة انسحاب إسرائيل من غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية أمر غير مسبوق. ونادراً ما اجتمع العالم على هذا القدر من الإجماع منذ تأسيس الأمم المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية في عام 1945.
وحتى الغزو الأميركي البريطاني الكارثي للعراق وتدميره لم يفلح في استفزاز مثل هذا التحرك الموحد.
المصدر- كاونتر بانش