لن نجد في العالم صوراً مجازية ومعبرة كتلك التي تظهر طفلاً غزاوياً صغيراً يلقن أخاه الشهادة قبل الموت وهو مصاب، وامرأة تودع ابنها وهي تزغرد وتقول في سبيل الله والبلد، ولن نجد مسناً يودع أحفاده وهو يوصيهم بأن يسلموا على من سبقوهم من شهداء، ولن نجد أيضاً رجلاً يودع أبناءه وبناته الشهداء ويقول “هؤلاء فداء للوطن والأقصى”.. وصحفياً وهو على الهواء مباشرة ينقل للعالم أسماء الشهداء والجرحى بقصف طائرات الموت الإسرائيلية للأبرياء يتلقى خبراً عاجلاً باستشهاد جميع أفراد أسرته ويكمل التغطية والعمل.
مع استمرار وتكثيف الغارات الإسرائيلية اليومية واستشهاد عشرات الفلسطينيين يومياً، وتقطّع أوصال قطاع غزة، جعل العثور على قبر لدفن الشهداء أمراً بالغ الصعوبة وشاق، وليس لدى أبناء القطاع إلا خيار دفن شهدائهم في ما تبقى من ظاهر الأرض من منازلهم.. كما باتت أماكن القبور غير معروفة خاصة مع جرف الاحتلال الإسرائيلي المقابر والأراضي وما تبقى من المنازل، وتدمير كل شيء.
لا أمان حتى لجثامين الشهداء في القطاع المنكوب.. وصعوبات جمة مع المجازر الإسرائيلية المستمرة، في توفير ما يلزم لإكرام الشهداء بالدفن، ويزيد ارتفاع أعداد الشهداء من صعوبة إجراءات الدفن، إضافة إلى نقص الأكفان وأكياس الموتى والقبور.. أما حفرها فيستغرق وقتاً طويلاً، ما يضطرهم إلى حفر القبور الجماعية لدفن عائلات بأكملها.
جرائم الاحتلال الإسرائيلي تؤكد همجيته ووحشيته، حتى وصلت إلى تمثيله وتنكيله بجثث الشهداء، وإلقاء جنوده جثامين شهداء فلسطينيين من فوق أسطح المنازل.. ولاسيما أن مثل هذه الممارسات الخطيرة تكررت على نطاق واسع في القطاع، بما في ذلك الاعتداءات على المقابر وتجريفها ونبشها وسلب عشرات الجثامين منها في خضم جريمة الإبادة المستمرة ضد الفلسطينيين منذ السابع من تشرين الأول الماضي.
جرائم منكرة وكثيرة ضدّ الفلسطينيين في القطاع وغيره.. يجب إدانتها بشدة من كل الدول والمنظمات الأممية والحقوقية.. فحسب الوقائع على الأرض فهي ليست مجرد حرب بل إبادة جماعية كما تصنفها منظمات دولية.