بينما تتصاعد رائحة القهوة وهي تغلي على الموقد الفاخر، ابتدأت ترمي الكلمات دون أن تفهمها، تريد أن تروي لها حكاية أربعين عاماً من زواج ينتهي على يد فتاة صغيرة تصغر زوجها بثلاثين عاماً، لا شيء قادراً على تهدئة صخب روحها وخذلانها.
خرجت بعدها من باب ضيّق لم تعهد أن تسلكه، انتبهتُ إلى الحديقة الملاصقة للبيت، كانت يوماً مليئة بالخضرة والثمار، أما الآن فتيبست، الماء هذا العام كان شحيحاً، والمزارع هاجر، شعرت أن المشهد يشبهها بملمح ما… غياب الماء، رحيل من يعتني، وانطفاء الحياة في التفاصيل. دخلت إلى عملها مثقلة، استقبلتها الخصومات الصامتة، الوجوه المرهقة التي تخبّئ حرباً لا تُرى، سألت نفسها لأي شيء كل هذا الاقتتال؟ ماالذي يُسحق في وجداننا دون رجعة حتى نشعر أن أرواحنا بلا أمان؟ وفي لحظة من شرود، حين أردتُ الهروب من كل الضجيج، وجدت نفسها ملقاة على الأرض، ارتطم رأسها بزجاج أحد أبواب الفنادق، كانت قد قصدتُه لاحتساء قهوتها على مهل، ظنت أنها ستترك هناك أفكارها المرهقة، لكنّها تبعتها، التصقت بها. وضعتُ السكر في الفنجان، ومع ذلك كان طعم القهوة مُرّاً. عندها أدركتُ أن المذاقات لا يغيّرها السكر ولا مرارة البن، بل ما نحمله في قلوبنا من أثقال وأوجاع. أيقنت أن تفاصيل حياتنا الصغيرة قادرة أن تشلّ خطواتنا، أن تصدمنا بأول عائق فنسقط، وأننا مهما جلسنا في أجمل الأمكنة لن نرى جمالها إذا كانت نفوسنا مثقلة بالوجع.
الخلاصة بسيطة، لكنها أصعب ما يمكن، علينا أن نتحرر، أن نخفّف الحمل، لأن الموقف لا يثقلنا إلا بما نحمله، عندها فقط نستطيع أن نعيش، ننجز، ونعمل.