بعد يومٍ مزدحم بأحداثه المفاجئة تذكّرتْ تلك الحلقة الدرامية بأحد المسلسلات المحلية وكانت بعنوان :(مقعد رمادي).
خطرت في بالها لأن البطل يومها كان كرسياً متحركاً أعاد لِذهنها أفكاراً طرحتها تلك الحلقة.
في الفناء الخارجي لإحدى المستشفيات، جلستْ بانتظارالشاب الذي أَوكلتْ إليه مهام تسيير معاملتها الإدارية..
ليأتي ويخبرها أن أمامها إجراءات عدة لتحصيل الورقة الرسمية المطلوبة.. وبدأتْ مغامرتها برفقة “الكرسي المتحرك”.
نظرتْ إلى الأشياء وقاربتها من زاوية الجلوس على “مقعد رمادي”.
يبدو أن جزءاً من ذواتنا يظهر وينمو بحسب الظرف الذي نوضع به، وربما عشنا عمراً كاملاً من دون أن ندرك وجوده إذا لم يحدث أن جرّبنا خوض الحياة من داخله..
ولهذا وبكلّ سلاسة وامتنان، جلستْ على مقعدها “الرمادي” وانطلقتْ لمباشرة القيام بالخطوات اللازمة، لإتمام معاملتها الرسمية.
في كلّ خطوة تقطعها، كانت تكتشف داخلها نوعاً من مرونة مخبّأة، أو تُعيد إشعال حيويتها المعهودة لتمكّنها من التقاط جمالية الأشياء حتى في أكثر الأماكن انعداماً لها.
بخفّة دم، التفتتْ إلى مرافقها وسألته رأيه بمغامرتهما سويةً.. فللمرة الأولى بحياتها تقوم بإتمام إجراءٍ مطلوب من على كرسي رمادي.. تذكرتْ مقولة “أناييس نن”: (نحن لا نرى الأشياء كما هي، بل كما نحن).. فكلّ تجربة نخوضها تفتح أفقاً داخلياً واسعاً على الحياة والآخرين والذات.
مغامرتها تلك قدّمت لها اكتشافاً مزدوجاً.. مكّنها من لحظ شيئين.. أحدهما ضمني داخلي، والآخر خارجي.
الأول يقارب الثاني.. ولا يبتعد عن قناعتها الثابتة: كيفما تنظر إلى نفسك، ينظر إليك الآخر.. هذا الآخر الذي تدور حوله قناعته الثانية.. فبطل يومها كان مقعداً رمادياً.. لكن المفارقة أن الأشخاص من حولها لم يكونوا رماديين أبداً.. بل أبناء بلدٍ طيبين ينحازون إلى أصالة طبعهم وجمال معشرهم.. ولهذا نسيت صعوبات التنقل، وتغافلتْ عن أي إجهاد وتعب.. كلّ ذلك تجاوزته ب(موشور) محبة مَن صادفتهم، الذي حلل (بياض) حضورهم إلى (طيف) جمالٍ لا يُنسى.