الثورة – تحقيق ميساء الجردي:
أجرت الهيئة العامة للتقانة الحيوية على مدار أكثر من 20 عاماً، العديد من البحوث العلمية والتطبيقية المتميزة، إلا أن الهيئة المحدثة وفق مرسوم ضمن حرم كلية الزراعة في دمشق، باتت تواجه مشكلة الاستمرار بعمل مخابرها، في ظل حاجتها إلى بنية تحتية مناسبة، وفي مقدمتها استمرار توفر الكهرباء 24 ساعة بهدف تطوير بحوثها المتنوعة، وخاصة المتعلقة بسلالات الـDNA.
أساس المشكلة
ومن هنا تبدأ القصة وفق ما عبر عنه عدد من طلبة الدراسات العليا في كلية الزراعة، والطلبة الذين يجرون أبحاثهم في مخابر الهيئة إضافة لبعض الأساتذة المشرفين، وعليه يمكن القول إن مخابر الهيئة اليوم بلا كهرباء منذ أكثر من عام، ناهيك عن خسائر تقدر بمئات الملايين للمواد الأولية، والسلالات التي يحتاجها هؤلاء لإجراء أبحاثهم.
وبحسب الشكوى الواردة إلى صحيفة الثورة، يوجد في حرم كلية الزراعة ثلاث مولدات، الأولى تخدم المبنى الإداري لكلية الهندسة الزراعية، والثانية صغيرة- مخصصة للمبنى الإداري لهيئة التقانة الحيوية والمخابر المتواجدة فيه، والثالثة تغذي قسم علوم الأغذية والمخبرين المتواجدين في قبو المبنى.
ومنذ أكثر من عام حدث عطل في المولدة التابعة لعمادة كلية الزراعة، وبدلاً من السعي لإصلاحها عملت عمادة الكلية على أخذ المولدة الخاصة بقسم علوم الأغذية، ودون وضع حلول ترضي وتخدم الطرفين، لتترك مخابر القسم بلا كهرباء لساعات طويلة جداً يصل التقنين فيها إلى ثمانية ساعات، مما أدى إلى أضرار كبيرة في مسيرة العمل البحثي وعرقلة إنجازها، علماً أن المولدة التي تعطلت ليست مولدتهم، وإدارة كلية الزراعة لم تأخذ بعين الاعتبار الاستمرار في تغذية مخابر القسم والأبحاث وتقديم المساعدة الكهربائية لهم ولو لمدة ساعتين في اليوم، وذلك “وفقا لما جاء في الشكوى”.
غير مُعقدة
ولا يرى الأطباء المشرفون في هيئة التقانة الحيوية وطلاب الدراسات العليا أن المسألة معقدة أو مستحلية الحل، فقد اقترحوا على عمادة الكلية عدة مرات تقسيم الكهرباء الناتجة عن المولدة، أن يتم تخديم المبنى الإداري للكلية منذ ساعات الصباح الأولى، وحتى الواحدة ظهراً، وتكون انتهت جميع الأعمال الإدارية والامتحانات، وبعدها تخصيص ساعة أو ساعتين في اليوم لتخديم المخابر البحثية في الهيئة ومساعدة طلبة الدراسات العليا لاستكمال أبحاثهم والتي يشكل طلاب كلية الزراعة نحو 80% منهم، لكن هذا المقترح لم يتم القبول به ولم يجد آذاناً صاغية، علماً أنه يشكل أقل نوع من أنواع التعاون تجاه هذه المشكلة، إضافة لكونه حلاً مؤقتاً ريثما يتم إصلاح المولدة المعطلة.
تساؤلات مشروعة
أول ما يتبادر إلى الذهن في هذه الإشكالية، لماذا لم يتم إصلاح المولدة المعطلة بسرعة، وكذلك موضوع الاستجابة لتخفيف التقنين الكهربائي في الكلية أو اللجوء إلى تركيب طاقة شمسية؟.. وعليه كانت الإجابة من قبل أصحاب الشكوى بأن عملية الإصلاح تحتاج إلى ميزانية كبيرة وقد تم عرضها على المكتب الهندسي في جامعة دمشق، وبعدها تم إجراء مناقصة، وهذا احتاج إلى وقت وروتين طويل، فقد أصبح عمر المشكلة ما يزيد عن العام وعدة أشهر، ما أثر بشكل كبير على الأجهزة الموجودة في المخابر في الأقبية، وعلى استمرار البحث العلمي، وخاصة أن الحواضن تحتاج لشروط تبريد معينة ودرجات خاصة لحفظ المواد والـ DNA وحواضن السلالات البحثية لدرجة حرارة ورطوبة ثابتة.
وبينوا أن محاولاتهم مع مديرية كهرباء برزة لتخفيض ساعات التقنين، لم تكن فعالة لكون الكلية مرتبطة بشكل مباشر مع كهرباء سكان المنطقة.
حلول غير مكتملة
ولابد من الإشارة إلى أن العاملين في إدارة الهيئة التقانية سعوا بجهود كبيرة من أجل تركيب الطاقة الشمسية لحل المشكلة، ولكن عندما تم الحصول على الموافقات، طالبت إدارة كلية الزراعة الهيئة بدفع أجور للمكان مقابل السماح لهم بتركيب الطاقة كإيرادات للكلية، علما أن مشروع الطاقة الذي بدأت به الهيئة يخدم المبقرة التابعة للكلية 24 ساعة، كما أن كل من الهيئة والكلية يتبعان لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي وهما يقدمان الخدمات العلمية والمعرفية ويتبعان لجهة واحدة؟.
هذه الخطوة- وفقاً للشكوى- تم عرقلتها لأشهر مما عطل العمل البحثي الذي يصب في المصلحة العامة، ولكن من جهة ثانية هناك معلومات أن المولدة قد تم إصلاحها وأصبحت جاهزة، إلا أن الاستفادة منها لم تبدأ حتى الآن، وهناك مطالب من قبل إدارة كلية الزراعة بمشاركة الهيئة بتأمين الوقود لها، والمشكلة وفقاً لإدارة الهيئة التقانية أنه كان هناك محاولة لحلها مع وزارة النفط، إلا أن الأخيرة أجابت على كتاب الهيئة أنه لا يوجد مخصصات فردية، أي لكل جهة وحدها، فالهيئة والكلية جهة واحدة بالنسبة لهم وهم يقدمون المخصصات كاملة.
– رؤية كلية الزراعة ولمعرفة تفاصيل المشكلة تواصلنا مع عميد الكلية الدكتورة عفراء سلوم، وبينت أن كلية الهندسة الزراعية تقع في منطقة أبي جرش التابعة لمساكن برزة التي تعاني من تقنين شديد للكهرباء، وتمتلك الكلية ثلاث مولدات كهربائية تخدم مبانيها الثلاثة، وهي: مبنى الإدارة الذي يحوي القاعات التدريسية والمدرجات وشؤون الطلاب والامتحانات والديوان ومراقب الدوام والدراسات والمكتبة، والعديد من المكاتب الإدارية الأخرى.
وبحسب الدكتورة سلوم- المبنى الثاني هو الأقسام والمخابر، والثالث مبنى علوم الأغذية، وبالنسبة للهيئة العامة للتقانة الحيوية فهي هيئة مستقلة إدارياً ومالياً، تتبع مباشرة لوزارة التعليم العالي، وتم استضافتها في الكلية لحين تجهيز المبنى الدائم لها في الصبورة (ولم تنتقل حتى الآن)، وقد شغلت منذ ذلك الحين مبنى (كان مجهز من قبل كلية الهندسة الزراعية ليكون مختبراً لإنتاج حيوانات التجربة يخدم كليات جامعة دمشق العلمية)، كما شغلت العديد من المخابر منها في قسم علوم الأغذية في القبو ومخبر في قبو مبنى الأقسام والمخابر في الكلية.
وعليه أكدت الدكتورة سلوم أنه لا يوجد أي مستند قانوني يبين حيثيات إشغال الهيئة لمباني الكلية ولا يوجد أي بند يلزم الكلية والجامعة بتقديم الكهرباء والماء والخدمات المختلفة، علماً أن الهيئة لا تملك مولدة خاصة بها، وإنما جميع المولدات ملك للكلية وتتم صيانتها على نفقة جامعة دمشق.
وتتابع: منذ ذلك الوقت والهيئة تستجر الكهرباء من مولدات الكلية في فترات انقطاع الكهرباء من دون أي مقابل، إضافة إلى خدمات أخرى كثيرة تقدمها لها الكلية، ومن دون أي مساهمة في الوقود أو الصيانة من قبل الهيئة.
حمولات كبيرة
وتنوه عميد الكلية بأنه نتيجة الحمولات الكبيرة على مولدات الكلية لما تحويه الهيئة من تجهيزات كثيرة من حاضنات وأجهزة وبرادات ومكيفات تعرضت هذه المولدات للكثير من الأعطال لينتهي بها المطاف إلى خروج مولدتين عن الخدمة وبقاء مولدة وحيدة لخدمة الكلية، الأمر الذي سبب إرباكاً كبيراً وعرقلة وتأخيراً في عمل الكلية في بداية الامتحانات النظرية، التي تتطلب الكهرباء لتصوير الأوراق الامتحانية وتشغيل المخدمات وخاصة في قسمي شؤون الطلاب والامتحانات، مما استدعى تخديم هذه الأقسام بالطاقة الكهربائية بالسرعة القصوى، وهو الأمر الذي اضطر الكلية للاستعانة بهذه المولدة ريثما يتم العمل على إصلاح المولدتين المعطلتين، وهذا يحتاج لإجراءات قانونية لا بد منها من دراسات ومناقصات لتأمين متعهدين لصيانتها.
ولفتت الدكتورة سلوم إلى أنه خلال هذه الفترة قامت إدارة الكلية بحل مشكلة طلاب الدراسات العليا عن طريق نقل الأجهزة للمبنى الأساسي، والاستعانة بمخابر كلية العلوم بالجامعة لإجراء التحاليل الخاصة بأبحاثهم. وأشارت بأنهم عملوا على مخاطبة وزارة الكهرباء عن طريق وزارة التعليم العالي من أجل إعفاء كلية الهندسة الزراعية من التقنين الكهربائي ولم تتم الاستجابة.
تأطير العلاقات بين الطرفين
وحول موضوع طلب الكلية رسوم مقابل تركيب ألواح طاقة شمسية أوضحت الدكتورة سلوم أن الهيئة طلبت الموافقة على تركيب ألواح طاقة شمسية على سطح المنشأة التابعة لكلية الهندسة الزراعية، وهذا الأمر يخضع للقوانين المنصوص عليها في الجامعة.
ولكن وبجميع الأحوال -والكلام للدكتورة سلوم- فإن كلية الهندسة الزراعية، لم ولن تتوانى أبداً عن تقديم الدعم والمساعدة لهيئة التقانة الحيوية ضمن إمكانياتها المتاحة، وقالت: في هذا الإطار خاطبنا الهيئة بكتاب رسمي ندعوهم فيه لعقد لقاء لمناقشة توقيع اتفاقية مشتركة، تهدف إلى التعاون المشترك لتأطير العلاقات بين الطرفين بما يخدم البحث العلمي ويحفظ حقوق الطرفين.