الثورة- هفاف ميهوب:
من تلالِ الجنوب اللبناني، من كرومه وبساتينه وأشجاره وأطيابه وأزهاره، يصدح الشّعر عالياً، محاكياً المدى بصوتِ ابن الـ «معركة».. صوتُ وهيب عجمي».. الشاعر الذي جُبلَ بترابِ وطنٍ اختار المقاومة قصيدته، مواجهاً بغضبها عدّو قلبه ـ وطنه، وأتباعه وسماسرته:
«ماهمّني ذئبٌ عوى ونباحُ/ فأنا المقاومُ والدماءُ سلاحُ/ هذا سلاحي بالدّماءِ معمّدٌ/ شهدتْ بطولات له وجراحُ/ هذا سلاحُ الأكرمينَ بموطني/ يحمي حِمانا إن غزا السّفاحُ/ ياسيِّد التَّحرير اسقِ شعوبَنا/ من راحتيكَ فتنتشي الأقداحُ..»..
بهذا واجه «عجمي» عدوّ وطنه، العدوّ الاسرائيلي الذي ذكّره مراراً، بأن القصيدة هي أيضاً فعلُ مقاومة، وبأن الشاعر الحقيقي لا يأتي من الفراغ، لأنه كان موجوداً بالقوّة، ثمّ صارَ شاعراً بفعلِ انتمائه لوطنٍ، وهبهُ كلماته المُزلزلة:
«إنّي المُقاوِمُ إنْ دعاني واجِبٌ/ فالحقُّ سيفي ساعدايَ رماحُ/ ما حرَّرَ الأوطانَ إلاّ ثائرٌ/ وبنادقٌ ودمُ الفتى وكفاحُ/ وجلالُ شِعري أنّه لِقضيَّتي/ وعلى المنابرِ في الورى صدّاحُ/ شمسُ المُقاومِ في زماني أشرقتْ/ ولكُلِّ ليلٍ في الزَّمانِ صباحُ..»..
شاعرةٌ أخرى، جُبلت من ترابِ الجنوب، وكان صوتها أيضاً هو صرخةٌ مقاومته.. صرخةُ قصيدةٍ تحتضنُ بنورها جنوب القلبِ الذي عشقته، وتطلق نيرانها على كلّ من يحاول المساسِ بأرضه وأبناء كرامته..
إنها الشاعرة «أمل طنانة» صاحبةُ النبرةُ القوية في مواجهة عدّوها، وشاعرةُ القصيدة المُقاتلة في زئيرها:
«سجّلوا أسماءَنا في دفترِ الجرائمْ/ وارسُموا وُجوهَنا بأبشعِ المعالِمْ/ واسْفحوا أعمارَنا في السِّجْنِ والمآتِمْ/ وخوِّفوا القمرْ/ وحذِّروا البشرْ/
وحوِّقوا تِلالَنا بشارةِ الخطرْ/ حتّى ندى السّحابْ/
سيمطرُ الويلاتِ والدّماءَ والعذابْ..
ونحن في المحرابْ/ أكفانُنا أثوابْ/ صلاتُنا مقاومةْ/ ونبضُنا مقاومة/ ونرفضُ السّلامَ في طقوسكُمْ/ ونأكلُ التّرابْ..»..
هي هكذا في كلّ قصائدها، مُقاتلة غاضبة، ومقدامةٌ في مواجهة عدوّها، وفي الدفاع عن حقّها وأرضها وعقيدتها:
«بالمقاومة وحدها يستيقظ الضّمير من موته، وتُبعثُ الكرامة من أجداثها.. لا شيء غير المقاومة، ينير الحياة ويزيح عتمة الذّلّ الطّويل، ويوقد قناديل الانتصارات..
لا قيمة لنشيدٍ لا ينتمي إلى دماءِ الشّهداء، ولا قيمة لشاعرٍ لا يتوكّأُ على عظمةِ المقاومة، في ابتكارِ قصيدته الّتي لم يقلها أحدٌ من قبل»..
ها هي أيضاً، الشاعرة «مريم أديب كريِّم» المسكونة أبداً بجراح وطنها، وبنزيفه الذي سالَ في حبرها.. سالَ حاراً كمفرداتِ حنجرتها، وصادحاً بجرأةٍ تفوق فيها العشق، فكانت قصيدتها:
أحبُّ البلادَ التي سادَ فيها/ التَّناغمُ بين القيامةِ والموتِ/ والبؤسِ والأغنيات
أحبُّ البلاد التي أنجبتْ ألف ظلٍّ وظلٍّ/ لهُ الحصَّةُ البكرُ من دردشاتِ الحُفاة..
أحبُّ البلاد التي غلَّفوها من الرَّأس حتى الحَصاة!/ وكم أجرموا، كبَّلوها/ وخلَّوا مخالبَهُمْ في يديها/ فغنَّتْ وشدَّتْ مع القيدِ/ حدَّ انفجارِ المعاصمِ/ حدَّ التهاب الأقاحي/ حدَّ انفلاتْ!..
أحبُّ البلاد التي في أوانِ اغتيالِ الرياحينِ كانت/ تُريحِنُ بنتاً لها: وتوقظُ في ثغرها القُبَّلاتْ/..