الجميع يستبشر خيراً بما تجريه الحكومة من مراجعات عميقة لما يمكن تسميته بصراحة “هفوات الماضي”..وتابع الجميع بكثير من التفاؤل ما رشح عن الجلسة الأولى لمجلس الوزراء بطاقمه الجديد، وكذلك اجتماع اللجنة الاقتصادية..
وبما أننا بدأنا جميعاً ننتظر أن تكمل الحكومة مراجعاتها وتستعجل استدراك كل ما له علاقة بمعيشة المواطن ويومياته الصعبة، وفق الإمكانات المتاحة، والمتاح ليس بقليل، بما أننا متفقون جميعاً على أن ثمة خللاً في إدارة الموارد.
وإن كان لدى الحكومة نية لترتيب الأولويات في هذا السياق، بالتأكيد سيحظى قطاع الزراعة بترتيب متقدم على لائحة الأولويات، لأن في الزراعة بشقيها ما يضمن الأمن الغذائي لمواطني هذا البلد ومع بحبوحة أيضاً.
قطاع الزراعة السوري غني ومتنوع والطبيعة سخيّة بما تتيحه من ميزات وخصائص، لكن ثمة إدارة خاطئة للقطاع أدت إلى حدوث سوابق لم تحصل قبلاً، مثل استيراد منتجات تقليدية كنا نصدر كميات كبيرة فائضة منها، والأمثلة كثيرة يعرفها الجميع، وهي تهمة بكل معنى الكلمة.
نتفهّم أننا نستورد القمح لأن مناطق الإنتاج مسروقة من قبل الأميركي وأذرعه، ولن نتطرق إلى مشكلة الأصناف والتلاعب الذي حصل وانخفض بإنتاج وحدة المساحة بشكل خطير.
لكن لا يمكن أن نتفهم كما أي متابع، أن نستورد البطاطا والبصل والثوم واللحوم.. وسلسلة من منتجات كانت يوماً ميزة سورية فغدت تهمة.
هذا إلى جانب أخطاء أو ارتكابات تحصل تتمثل بتصدير منتجات زراعية عالية الجودة والميزات، وبذات الوقت استيراد ذات الأصناف بجودة أقل وربما مؤذية.. والمثال الصارخ هنا زيت الزيتون.. طبعاً مبرر التصدير هو الحصول على القطع الأجنبي.. بهذه الذريعة تتم مواجهة كل من يسأل.. لكن ماذا عن القطع الأجنبي ذاته الذي تنفقه وتخسره البلاد مقابل استيراد البدائل..؟؟ هكذا سؤال يتحفظ الجميع على الإجابة عليه، والاعتراف بأن اللعبة تجارية بحتة.. فتصدير المنتجات السورية المرغوبة عالمياً استثمار مجزٍ، واستيراد البدائل استثمار أيضاً مجزٍ ويحقق أرباحاً يسيل لها لعاب كل من يعمل في “كار التجارة”..
لدينا خلل كبير في الأرقام التي تصدرها وزارة الزراعة بشأن كميات الإنتاج والفائض، وطالما كانت خاطئة بنيت عليها قرارات تصدير من البديهي أن تكون خاطئة، لأن خطأ المقدمات سيؤدي إلى نتائج خاطئة.
بانتظار أن تضع الحكومة هذا الملف.. الزراعة.. على طاولة الدراسة المعمقة، وحسبنا ألا تتأخر وترجئ.
نهى علي