حسين صقر
غالباً ما نقرأ الكثير من الأمثال والحكم والمواعظ التي ترسخ الروابط والعلاقات، وفي المقابل هناك الكثير مما يقابلها التي تدعو لعدم التسامح والمعاملة بالمثل.
سبب هذه المقدمة منشور لفت نظري على إحدى صفحات مواقع التواصل والذي يقول: «لا تعطي أحداً أكبر من قيمته فتصغر قيمتك»، ونحن من يصنع غرور البعض.. عندما نعطي قيمة لمن لا قيمه له»، «ولا تعطي شخصاً أكبر من حجمه فيتمرد»، «والأقارب عقارب، وأنا وأخي على ابن عمي وأنا ابن عمي على الغريب، وامشي الحيط الحيط، واليد التي لا تقدر عليها، قبلها وادع لها بالكسر» وإلى ما هنالك من الأمثال التي تدعو للانهزامية والاستسلام والنفاق، وترسخ الأنانية وتزرع البغضاء والأحقاد.
بالطبع بعض الأمثال قد يكون صحيحاً، ويحمل في طياته الإيجاب ولسنا في صدد ذكرها، لكن بالتأكيد ما سبق التنويه عنه يزيد الطين بلّة أثناء الخصام والحساسية لدى الآخرين.
لذا هل يمكننا القول: «أعط الناس قيمتها وعاشر بالمعروف، وتجاهل لحفظ الود وصافح وسامح، لعل من لا يعرف صفاءك يدركه مع الأيام، وعاتب من تحب، فالعتاب صابون القلوب، والأخوة سند وعزوة، والأقارب ليسوا عقاربَ، والصديق عند الضيق، والجار متل الأخ».
وامدح الوجوه فالكلمة الطيبة صدقة، وراكمها عند الآخرين لعل السواد الموجود بداخلهم يصبح بياضاً وتنجلي عن قلوبهم الأحقاد.
فأهمية الأمثال والحكم، تتجلى بأنها وسيلة تربوية لأن فيها التذكير والوعظ، والحث والزجر، والتشجيع على أمر ما، وليس كي تكون دافعاً للانطواء والنكوص والتراجع.
ولهذا فاستخدام الأمثال والحكم يأتي لتحفيز الذات وتعزيز الثقة بالنفس وبالآخرين، وهي نموذج للتحكم بالعواطف، ومخاطبة العقل، وإدارة المواقف.
ومن هذا المنطلق فإن الالتزام بالإيجابي منها يساهم في تحقيق الأهداف والوصول إلى نتائج مرضية للمحيط الذي نعيش فيه، ولهذا لابد من تسليط الضوء على كل ما يساهم في تقريب الناس من بعضهم البعض، من خلال تعزيز الشفافية وعدم المبالغة بفحوى المثل أو معناه، وأخذ الأمور في إطارها الصحيح.
ولهذا أيضاً يلعب استخدام الأمثال والحكم دوراً في بناء الشخصية، ولاسيما إذا كان هذا المثل قد صدر عن شخص ناجح، كان قد حقق في حياته نتائج جيدة، حيث يتحول مع مرور الوقت إلى قدوة، وكل من سمع عنه يقول: قال فلان كذا وحصل كذا، وهكذا تتحول الأمثال والحكم أولاً بأول إلى وسيلة فعالة لبناء الثقة بالنفس وتعزيز قدرة الفرد على اتخاذ القرارات الصحيحة، لما لبعض الأمثال ما يحمل في طياته الحكم والعبر التي تجعل شخصيتنا تنمو وتتطور، لأن فهم الذات يعتبر أحد العوامل الأساسية في تحقيق النجاح والتطور الشخصي
ولهذا أيضاُ تستخدم الأمثال لتوجيه الأفراد نحو الهدف المرجو، وتحفزه على التغيير والتحسين، لأنه عندما يعتقد الشخص أنه قادر على التغلب على التحديات وتحقيق النجاح، فإنه سيصبح أكثر استعداداً لاتخاذ القرارات الصحيحة وتحقيق التطور الشخصي.
فالدنيا كما يقولون: جميلة بالقلوب الطيبة الدافئة التي تشعرنا بالحب والحنان والكلمة الراقية والابتسامة اللطيفة، ولهذا ليس علينا سوى الابتعاد عن كل ما من شأنه إثارة البغضاء من خلال الأمثال، وصم آذاننا عن ما يشبهها أو يقترب منها حتى لو تلميحاً، فليس هناك أجمل من أن ندعو للمحبة والتعاون، كأن نقول: قوم تعاونوا ما غلبوا، بدلاً من أن نقول: اللهم نفسي، وأنا ومن بعدي الطوفان، و»إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب، فبالتأكيد بهذا الطبع: «إن لم تكن ذئباً، فسوف تكون حيواناً أو وحشاً كاسراً آخر».
هناك أمثال دخيلة لإثارة الفتن والفوضى، لو ابتعدنا عنها وفكرنا بعواقبها لوجدنا أنها مدسوسة لحرف أنظارنا عن القيم الجميلة والمبادئ الحسنة، وهناك أمثال رائعة كثيرة قالها المحمودون من الناس والذين دعوا للألفة والتقارب وصلة القربى، وهي خلاصة تجاربهم وخبراتهم، ولهذا يجب استخدامها في سياقها الصحيح وليس العكس.