الثورة – رشا سلوم:
مازالت مجلة جسور تقدم المزيد من القراءات والمتابعات الفكرية، وتختار المترجم الجيد ليكون أمام القارئ العربي، في عددها الجديد تكتب وزير الثقافة السابقة لبانة مشوح عن رهان الإبداع قائلة:
(الخوض في حديث الصعوبات والتحدّيات التي تعترض المترجم طويل متشعّب، ومن أهم تلك التحدّيات ما تفرضه مبادئ الدقّة والأمانة والجمالية والفائدة، وعلى الرغم من ظهور سلسلة طويلة من النظريات على مدى عقود، وثبوت صحّة معظمها على اختلاف مذاهبها ومقارباتها والنتائج التي خلصت إليها والقواعد التي أسستها، فإن الدارسين تخلّوا، أو كادوا، عن حلم وضع معايير محدّدة وقواعد شاملة تُنظِّم العمل الترجمي، فضلاً عن أن هذه النظريات والمقاربات، ما لم تكن عامة جداً، لا تصلح بالضرورة لكل اللغات، ولا تقبل التعميم على كل أنواع النصوص التي تختلف فيما بينها في الطبيعة والاختصاص والخصائص، ناهيك عن الترجمة بالاستعانة بالحاسوب التي لها ما لها وعليها ما عليها.
وكما في العلوم الأخرى، انتقل اهتمام الدارسين من التنظير إلى التطبيق، فأجرى بعضهم دراسات مقارنة لترجمات مختلفة لنصٍّ أدبيٍّ واحدٍ في محاولةٍ لاستخلاص عدد من المؤشرات التطورية التعاقبية التي طرأت على النّص المترجم واختلفت باختلاف زمن الترجمة، واستنباط قوانين العصر التي حكمتها، والكشف عمّا أضافه المترجم على النص. في حين رمى بعضهم الآخر من تلك الدراسات المقارنة إلى إثبات نظرية أو وجهة نظر.
الأمثلة على ذلك أكثر من أن نحصيها في هذه العجالة. فها هو جورج مونان ينكفئ على مقارنة خمس ترجمات مختلفة لإحدى قصائد الشاعر الإيطالي أمبيرتو سابا، وانكبّ أنطوان بيرمان على دراسة أربع ترجمات مختلفة لقصيدة لجون دون من القرن السادس عشر.
أما قصيدة «خبز وخمر» للشاعر والفيلسوف الألماني فريدريك هولدرلين فنقلت بسبع ترجمات مختلفة إلى اللغة الفرنسية وحدها، درسها جميعاً دراسةً مقارنةً الكاتب والفيلسوف والناقد الفرنسي فيليب لاكو-لابارت.
قصيدة «الغراب» لإدغار ألان بو ترجمت مرات عدة إلى اللغة البرتغالية. وفي العربية، قمنا كما سوانا من الباحثين بدراساتٍ مقارنةٍ لعددٍ لا يستهان به من ترجمات معاني القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية، تفاوتت أزمنتها ومستوياتها اللغويّة ودقّة دلالاتها وجمالية تعبيرها.
لا شك أن الترجمة تدين بالكثير إلى السياق التاريخي الذي أنتجها بقيمه ومفاهيمه، كما تظهِر الدراسات المقارنة لترجماتٍ عدّةٍ لعملٍ أدبيٍّ واحدٍ أُنْتِجَت في أزمنةٍ متفاوتةٍ خصائصَ أنماطٍ مختلفةٍ من الكتابة، لا بل خصائص لغوية تطورت عبر الزمن. وتلك مادة خصبة للعاملين في الدراسات اللغوية التاريخية والمقارنة.
وبعد، فإنّ الترجمة الأدبية والفلسفية والدينية عملٌ إبداعيٌ يتفاعل مع اللغة المصدر في زمانها، ويَعكس في آنٍ معاً خصائص لغة زمانه. معادلة من الصعب تحقيقها، لكنها رهان المترجم المبدع.)
وقد حفل العدد بالكثير من المواد المهمة والمتابعات الجميلة التي تقدم للقارئ باقة منتقاة من الأدب العالمي شرقاً وغرباً.