الثورة – لينا إسماعيل:
يقول الباحث في مجال التعاطف وليم إكس: إن التعاطف عبارة عن استنتاج مركب ترتبط فيه الملاحظة والذاكرة والمعرفة والتفكير من أجل الوصول لاستبصار في مشاعر وأفكار الناس الآخرين، وهذا يعني أن التعاطف مع الآخرين ليس هدفاً مستقلاً، وإنما هو عامل إنساني نستطيع من خلاله الارتقاء بتفهمنا للعالم المحيط بنا، خاصة في ظل الأزمات الناتجة عن الحروب والضغوطات التي أعقبتها، وما أفرزته من شدائد نفسية واجتماعية واقتصادية أثرت على المجتمع عامة، وما واكبها من ملهيات وبذخ وسلوكيات غريبة عن مجتمعاتنا، احتضنها العالم الأزرق وروج لها لتكون مثار متابعة واهتمام بعيد عن الواقع، لكنه ينعكس عليه في كل لحظة بتصعيد الشعور بالحرمان والنقص والعجز المؤدي في كثير من الأحيان للإحباط لدى شريحة واسعة من الشباب بشكل خاص كونها المتلقي الأول لما يقدمه العالم الافتراضي على مدار اللحظة.
والمؤسف أن أغلب المحتوى الذي يقدمه أبناء جلدتنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعيد تماماً عن التعاطف والإحساس بالآخرين، بل إنه يلعب عن سابق القصد والتعمد على وتر الحرمان بشتى أنواعه، ليحقق شهرته وأرباحه الطائلة من دون الشعور بالانعكاسات النفسية وما يعانيه السواد الأعظم ليس في المنطقة العربية فحسب، وإنما العالم من ضائقة معيشية نتيجة تضييق الخناق الاقتصادي عموماً.
فتراهم كأمثلة يختارون محتوى تناول الأطعمة الشهية بطريقة استفزازية والتركيز على صوت التهام هذه الأطعمة وقرمشتها بطريقة فيها من البذخ، ما يدفع الكثير إلى النقمة على واقعهم، رغم دوام المتابعة لإشباع نهم خفي في محاولة لسد رمق الحرمان والاشتهاء، أو تركيز المحتوى على قصور فارهة بأثاثها الخيالي وأدوات الرفاهية المبهرة، أو عرض الأزياء والميك آب بماركات عالمية مذهلة السعر والتكاليف وغيرها من مواد المحتوى البعيد عن تفاصيل الحياة اليومية، والذي يغتال أوقات وحيوية ومسار أهداف كثير من الشباب ويوقعهم في فخ الإحباط ورفض الواقع والشعور بالعجز عن مجاراة تلك المغريات والأخطر من ذلك تحريضهم على التخلي عن الأهداف النبيلة مقابل الوصول المزعوم سريعاً لما تقدمه وسائل التواصل الإلكتروني وتروج له بإيقاع مستمر.
ولكم أن تراقبوا ما يُقدَم للشباب خاصة تحت سن الـ 18 من مفاهيم مضللة تدور في فلك التخلي عن مشوار الدراسة والتعليم الطويل طالما أن هناك سبل أسرع للوصول إلى الثراء والشهرة، وما أكثرها من طرق وهمية هدفها تشويه أهمية العلم في بناء المستقبل وتجريده من قيمه وأهميته في النجاح، وضخ مفاهيم مغرضة ووسائل مستحدثة للنجاح المرتبط بالثراء السريع دون الحاجة لالتماس طريق العلم الاجتهاد الطويل.
وهنا تكمن الخطورة الأكبر.. وتبدأ العملية بالشغل كما أسلفنا على تحريض اشتهاء الشباب للشهرة والنجومية، أو للطعام الفاخر والقصور والأزياء والسيارات الفارهة، ومن ثم على إحباط الشباب وشعورهم بالعجز عن تحقيق ما يعيشون تفاصيله عبر الشاشة الزرقاء، وصولاً لحالات من التشويش الذهني والقلق النفسي الذي يشل قدراتهم عن البناء والنهوض وتطوير الذات على أرض الواقع خطوة بخطوة.
فإذا كان الإحساس بالآخرين فناً وواجباً إنسانياً علينا أن نعززه في حياتنا اليومية، وهي رسالة لكل صانع محتوى للارتقاء بما يقدمه، والتماس حاجات الناس والسعي للمساهمة في تلبيتها بطريقة إنسانية راقية لا تجرح المشاعر، ولا تصغر من مكانة الإنسان مهما كانت حاجته.
صانع المحتوى بالنهاية المفترض أن يكون صاحب رسالة تخدم مجتمعه وتساهم في نهوضه لا أن تكون وسيلة رادفة لأهداف مغرضة لم تعد خافية على أحد.