الثورة:
قوبل الحكم الصادر عن المحكمة الإقليمية العليا في فرانكفورت بحق الطبيب السوري علاء موسى، بالسجن المؤبد لارتكابه جرائم ضد الإنسانية، بترحيب واسع من جهات دولية ومحلية، اعتبرته خطوة مفصلية على طريق تحقيق العدالة وإنهاء الإفلات من العقاب في سوريا.
وأشادت “لجنة الأمم المتحدة للتحقيق في سوريا” بالحكم، معتبرةً أنه يؤكد أهمية الدور الذي تؤديه المحاكم الوطنية التي تطبّق مبدأ الولاية القضائية العالمية، وخاصة في ظل غياب مسارات محاسبة فعالة داخل سوريا.
وأكدت اللجنة أن هذه المحاكمات تفتح نافذة لتحقيق العدالة للضحايا، وتعيد الأمل لعائلاتهم، وأشارت اللجنة الأممية إلى أن الحكم على موسى يأتي بعد أسابيع من إدانة مماثلة في فرنسا، حيث أصدرت محكمة قراراً بحق المتحدث السابق باسم فصيل “جيش الإسلام”، في 28 أيار الماضي، بتهمة التواطؤ في ارتكاب جرائم حرب، بينها تجنيد الأطفال.
من جهته، اعتبر “ميخائيل أونماخت”، القائم بأعمال بعثة الاتحاد الأوروبي لدى سوريا، أن الحكم “خطوة مهمة في مسار المحاسبة”، مشدداً على أن الاتحاد الأوروبي “لن يكون هناك مستقبل في سوريا دون عدالة وانتقال سياسي حقيقي”، مجدداً دعم بروكسل الكامل لجهود العدالة الانتقالية.
ورحّب “المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية” بالحكم، مشيداً ببند “عدم إمكانية الإفراج المشروط” الذي تضمّنه، واعتبره انتصاراً قانونياً يعزز من إدانة منظومة التعذيب التابعة لنظام الأسد، ويمتد كتتويج لمسار محاكمة أنور رسلان في كوبلنتز، الذي شكّل سابقة تاريخية في هذا السياق.
وقال “أنور البني”، رئيس المركز، إن هذا الحكم يثبت مسؤولية رأس النظام السوري وكبار قادته الأمنيين عن هذه الجرائم، ويُعد امتداداً لتكريس مبدأ الولاية القضائية العالمية، الذي يُتيح محاكمة مجرمي الحرب في أي مكان، حتى إن لم تقع الجرائم داخل حدود الدولة القضائية.
وأكد أن ألمانيا كانت سباقة منذ عام 2017 في استخدام هذا المبدأ، ما جعلها في طليعة الدول المناهضة للإفلات من العقاب.
بدورها، أعربت “رابطة الحقوقيين السوريين الأحرار” عن دعمها الكامل للحكم، معتبرةً إياه تحولاً نوعياً في معركة السوريين الطويلة من أجل العدالة، وأكدت أن الجرائم الجسيمة لا تسقط بالتقادم، ولن تمنع الحدود من محاسبة مرتكبيها، وذكرت في بيانها أنها ساهمت منذ مراحل مبكرة في دعم ملف القضية، عبر تقديم الوثائق والتنسيق القانوني مع الجهات القضائية الألمانية وشركائها الدوليين.
من جانبه، قال “فضل عبد الغني”، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إن هذا الحكم هو “اعتراف قانوني بمعاناة آلاف الضحايا”، ويمثل لحظة فارقة تفصل بين مرحلة القمع والانتهاكات، ومرحلة السعي لبناء منظومة عدالة سورية حقيقية بعد سقوط نظام الأسد.
وأوضح عبد الغني أن الشبكة لعبت دوراً محورياً في توثيق القضية، بالتعاون مع “المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان”، الذي أكّد من جهته، على لسان مستشاره القانوني باتريك كروكر، أن الحكم “يوجّه رسالة حازمة لكل من تورط في جرائم مماثلة، بأن العدالة ستطالهم أينما كانوا”.
وكانت المحكمة الألمانية قد أصدرت، أمس الإثنين، حكمها بالسجن المؤبد ضد الطبيب علاء موسى، لإدانته بتعذيب وقتل معتقلين سوريين خلال عمله في مستشفيات عسكرية تابعة لنظام الأسد، مثل مستشفى المزة 601 في دمشق، ومستشفى حمص العسكري، وذلك خلال عامي 2011 و2012. وتعتبر هذه الإدانة القضائية الأولى التي تطال أحد عناصر نظام الأسد بعد سقوطه في كانون الأول/ديسمبر 2024، وتشكل خطوة مفصلية في مسار المحاسبة الدولية التي تسعى إلى إنصاف الضحايا وتثبيت مبدأ عدم الإفلات من العقاب.