العودة المؤجلة.. بين الحنين إلى الوطن والخوف من المجهول

الثورة – إيمان زرزور

ما إن سقط نظام الأسد، حتى بدأت تتلاشى معالم الغربة لدى السوريين في مناطق اللجوء حول العالم، وبدأت مشاعر الشوق والحنين تدخل قلوبهم المتعبة، يتطلعون للعودة إلى أرضهم ومنازلهم وقراهم التي هُجروا عنه قسراً، لكن سرعان ما تتبدد هذه المشاعر مع الواقع الصعب والتحديات الجسام التي تواجه العائدين بالآلاف، في ظل عزوف فئة أخرى عن العودة وتأجيلها ريثما تستقر الأوضاع.

لم تكن العودة إلى الوطن قراراً يُتخذ في لحظة، بل هي مسار طويل من التردد والمشاعر المتضاربة، يخوضه اللاجئ في صمت بين حنين يشتد مع كل ذكرى، وخوف يتجدد مع كل خبر، يظل السوري المُبعد ممزقاً بين رغبته في العودة إلى تراب بلاده، ومخاوفه من مستقبل قد يعيد له أوجاعاً بالكاد استطاع دفنها.

يحتفظ الوطن بصورة مثالية في خيال كثير من السوريين، فهو بالنسبة لهم “بيت قديم تفوح منه رائحة الخبز، جدران رسم عليها الزمن ذكريات الطفولة، جيران يملؤون الحي بحكاياتهم، وضحكات الأهل التي تشفي الحنين”، لكن حين تقترب العودة، يصطدم هذا الحنين بواقع مختلف، قد يكون أشد قسوة مما تركه اللاجئ خلفه.

داخل كل عائلة لاجئة، يظهر الشرخ بين جيلَين: الآباء يحملون الوطن في قلوبهم كحلم للعودة، بينما الأبناء، الذين وُلدوا أو نشؤوا في بيئة اللجوء، يرفضون العودة إلى وطن لا يعرفونه، ولا يمتلكون فيه روابط شخصية أو ذكريات، وبين الإصرار الأبوي والرفض الطفولي، تتأرجح الأسر في صراع لا يُحسم بسهولة.

إن العودة إلى الوطن لا تقتصر على حمل حقائب أو عبور حدود، بل تتطلب إجابات صريحة عن تساؤلات مصيرية أولها المورد المالي والقدرة على العيش في ظل الواقع الاقتصادي لبلد منهار، عن المنزل المدمر وهل يستطيعون العيش فيه أو إعادة بنائه، هل يجد الأطفال مدارس، والمسنون أدوية، والعائلات مياهاً وكهرباءً كافية..؟”، كل هذه الأسئلة تجعل العودة بالنسبة لكثيرين خياراً محفوفاً بالمخاطر، لا مجرد عبور جغرافي.

رغم البدء السريع بمشاريع اقتصادية كبيرة، يظل النقص الحاد في الخدمات من أبرز ما يعيق حياة العائدين، من كهرباء وماء ووسائل نقل، إلى مؤسسات تعليمية تعاني من شحّ الكوادر والبنية المهترئة، إلى مراكز صحية تفتقر إلى الحد الأدنى من التجهيزات، ومع تراجع فرص العمل، حتى للمتعلمين، تصبح العودة إلى الوطن محفوفة بتحديات اقتصادية وأمنية معقّدة.

لا يقتصر العبء على البنية التحتية، بل يمتد إلى البنية المجتمعية، كثير من العائدين يعانون من شعور بالغربة داخل وطنهم، يصطدمون بنظرات التوجس أو التقييم، يُحمَّلون أحياناً ذنب الرحيل، ويُتهمون بأنهم “تخلّوا” عن البلاد، أما الأطفال العائدون، فيواجهون صدمة ثقافية حادة، تتجلى في صعوبة التأقلم مع لهجة جديدة، نظام تعليمي مختلف، وعلاقات اجتماعية متغيرة.

مما لاشك فيه أن اللاجئ لا يعود إلى سقف فحسب، بل إلى شعور بالانتماء، إلى مجتمع يمنحه الحق في أن يكون جزءاً منه، فالكرامة لا تكمُن فقط في النجاة من القصف، بل في القدرة على العمل، التعلم، والعلاج دون منّة، والسوري الذي يُفكّر في العودة لا يطلب الكثير، بل يسعى لحياة عادلة تحفظ له ما تبقى من روحه.

مهما طالت سنوات الغربة، يظل صوت الوطن في الذاكرة لا يخفت، ربما يخاف اللاجئ، وربما يتردد، لكن جذور الحنين لا تُقتل، والعودة تظل حلماً متجدداً، ومع ذلك، فإن هذه العودة لن تكون حقيقية أو آمنة دون ضمانات، ودون خطط واقعية لاحتواء العائدين، ودمجهم مجدداً في بلد هو لهم، لا عليهم.

وفي وطن مدمّر أنهكته الحرب، لا تكفي الدعوات العاطفية لعودة اللاجئين، فالمطلوب هو مشروع وطني متكامل يعيد الاعتبار للإنسان السوري، ويضمن له حياة كريمة، لأن من ترك وطنه مكرهاً، يجب ألا يعود ليصارع فيه من جديد، بل ليعيش فيه بكرامة وأمان.

آخر الأخبار
لتثبيت المعلومة وإطلاق اللسان المدرب كمال تاج الدين لـ الثورة: التكرار والتدوين والتخيل شركات التمويل التأجيري .. هل تحل معضلة السكن وتحول الحلم إلى واقع؟ خطة شاملة لتطوير العملية التعليمية في ظل التحديات الراهنة بحلب سهل الغاب.. من سلة غذاء سوريا إلى صحراء! من يوقف نزيف الإهمال؟ على وتر تدفق الغاز الأذربيجاني في سوريا.. نمو مرتقب وتساؤلات الأسعار قيد الانتظار نواب أميركيون: غزة تحولت إلى جحيم على الأرض الداخلية التركية: عدد السوريين الراغبين بالعودة يتزايد يوماً بعد يوم وزير الاقتصاد من حلب: إجراءات جديدة لتحسين بيئة العمل الاقتصادي والتجاري أسئلة "علم الأحياء" للفرع العلمي طويلة وتحتاج التركيز بالنقد تُبنى الدول الممكن والمأمول أمام التحديات السورية الراهنة الاستثمار في سوريا.. فرصة للنهوض وتحديات تنتظر الحل الغاز الأذربيجاني يتدفق.. والكهرباء تتحرّك في ريف دمشق إعفاء مشتري العقارات من إيداع 50 بالمئة.. والمخاطر محتملة المالية تنقل صرف رواتب موظفي السويداء إلى مصارف إزرع مؤقتاً قطاعا الصناعة والزراعة أول المستفيدين من انتظام الكهرباء أذربيجان تؤكد: مشاريع مشتركة مع تركيا لدعم إعادة إعمار سوريا وخط الغاز محطة مفصلية تدشين مشروع الغاز الأذربيجاني إلى سوريا.. خطوة استراتيجية تعزز التضامن الإقليمي ودعم التعافي طلاب العلمي يودّعون الامتحانات.. علم الأحياء بأسئلة متوازنة بين الدقة والتركيز العائدون إلى ريف إدلب الجنوبي يصطدمون بواقع منسي.. لا ماء ولا كهرباء ولا أمل قريب