الثورة – دمشق – ميساء العلي:
“أزمة اقتصاد أم أزمة فكر؟” عنوان المحاضرة التي قدمها الدكتور غسان إبراهيم خلال ندوة الثلاثاء الاقتصادي، والتي حاول فيها أن يطرح مسألة اقتصادية بطريقة فلسفية، وبدأ كلامه بالقول: إن الأزمة هي مسألة أو قضية يمكن الإجابة عنها أو إيجاد حل لها بطريقة البحث والاستقصاء، أي بطريقة علمية برهانية، ولذلك قيل: “كل مشكلة لها ألف حل”، أو هي تعارض (قيمة الظاهر) بين المرغوب أو الممكن وبين الواقع التاريخي.
الباحث رأى أن الأزمات لا تسقط من السماء، فهي ليست خارج التاريخ والمجتمع، بل تنشأ عن وضع اجتماعي واقتصادي وتاريخي معين ومحدد، ومجسد لنظام فكري أو لثقافة سائدة، مهيمنة ومسيطرة، مشيراً إلى أنه لا يمكن للأزمة أن تنشأ أو تتشكل في فراغ فكري أو في غياب منظومة فكرية قيمية سلوكية أخلاقية مهنية.
في حين رأى أن حل الأزمة يعتبر جزءاً غير مفكر فيه، لأن كل أزمة تعكس التفاوض أو التعارض بين القوى الاجتماعية الفاعلة والمؤثرة، وبين العلاقات الاجتماعية الإنتاجية السائدة والمعوقة للحل المرتقب والمنشود.
الدكتور إبراهيم قال: ” ليست الأزمة في العمق والجوهر قائمة في الواقع، بل في الفكر أو العقل السائد، فالواقع لا يخلق مشكلات، وإنما الفكر الذي يتعامل مع هذا الواقع. وبالتالي، يبدو حل الأزمة بسيطاً إذا تغير الفكر أو نظرة ورؤية العقل للأزمة، لذا فكل أزمة هي في أصلها تعبير عن مشكلة معرفية تتجلى واقعياً كأزمة، وبالتالي يجب حلها نظرياً معرفياً علمياً قبل حلها واقعياً تاريخياً”.
كما انتقد إبراهيم التفسير الاقتصادي للأزمة، موضحاً أنه لا يتحدد أو يختزل السلوك الاقتصادي للفرد بحاجاته المادية فقط، بل بكيفية فهمه وإدراكه لها وكيفية تفسيرها، والواقع الاقتصادي يتم إعادة تصنيفه في ضوء معارف وطموحات وتصورات الفرد، أي في ضوء ثقافته المتراكمة وبهذا المعنى، يصبح الوسط الخارجي جزءاً من الفرد وليس مستقلاً عنه.
وأشار إلى أنه يجب أن يُقيم أو يُفسر أي نظام اقتصادي اجتماعي من الكيفية التي يعي بها هذا النظام ذاته، وليس فقط كما يوجد موضوعياً، ولهذا السبب، قد تكون الأزمة الاقتصادية أزمة ثقافية أو فكرية، بمعنى آخر، الحدث الاقتصادي كالأزمة الاقتصادية مثلاً، ليس معطى مسبقاً، بل هو حدث تكتنفه أفكارنا وتصوراتنا وثقافتنا، في ضوء الظروف المحيطة، أي إنه لا ينتج معنى بحد ذاته، بل نحن من نُسبغ عليه المعنى، كما أنه يستحيل على الفكر أو الوعي أن يوجد في الأشياء، فهذا تناقض، إذ يتعذر عندئذٍ فصله عنها، مما يجعله مشلولاً أو غير فاعل، بل يجب أن يكون خارجها لينتج معرفة عنها.
وقال: إن تفاقم الأزمة الاقتصادية بشكل خاص وتصور التنمية الاقتصادية بشكل عام في الدول المتخلفة، قد يرجع في العمق والجوهر إلى الأوضاع الاجتماعية والسياسية والثقافية والتاريخية المشرعة لها، وذلك يستدعي عقلية أو ذهنية جديدة كبديل وحل معاً.
ولفت الدكتور إبراهيم إلى أنه لا تعبر المؤشرات الاقتصادية جميعها، ولا ما ينجم عنها كالأزمات، عن واقع خارجي بين أطراف متعددة ومختلفة، سواء في الزراعة أم الصناعة أو قطاع الخدمات في الاقتصاد عموماً، بل تحكمها ثقافة أو فكر سائد معين تاريخي، ومن دون الدور الفاعل للفكر، يتحول كل حدث تاريخي اقتصادي أو غير اقتصادي إلى فيزياء، أي إلى طبيعة مادية جامدة.
كما أنه لا يمكن للاقتصاد أن يشكل العنصر المهيمن لأي تفسير للواقع الاقتصادي، بل هناك جملة أو شبكة من العناصر الاقتصادية وغير الاقتصادية تعبر باختصار عن منظومة فكرية سائدة، لذلك نجد أن الاقتصاد بحد ذاته لا معنى له، وكذلك السياسة والثقافة والاجتماع، بل حتى الطبيعة بحد ذاتها لا معنى لها، ويصبح ذلك كله ذا معنى إذا وجد من أجلنا، جميعاً، أفراداً أو مجتمعات ودولاً.
وطرح تساؤلاً: هل الأزمة اليوم أزمة اقتصاد أم أزمة فكر؟ موضحاً أنه على ما يبدو، فإن المعرفة العلمية الراهنة وغير المسبوقة، وفي كل مجالات وموضوعات العلم، كأنها معرفة براغماتيكية- ذرائعية، في خدمة رأس المال.د، أي كأنها تغير الإنسان مع واقعه سلباً وليس إيجاباً، ولعل المعرفة الاقتصادية تندرج في تلك الحالة، من باب أولى، لكونها معرفة محكومة بالمصالح والمنافع الذاتية أكثر من العامة، الحكومية والشعبية.
كما أشار إلى أن الفكرة والعلم هما ضرب من ضروب الحياة، فالمعرفة مهما كانت اقتصادية أو غير اقتصادية، هي شكل من أشكال الحياة، إذ ليس هناك من معرفة وإن كانت مشكلة علمية أو اقتصادية، تنفرد باستقلالية كاملة عن الحياة.
تطرق الدكتور إبراهيم إلى الاقتصاد الراهن، والرأسمالي عموماً، موضحاً أن هذا الاقتصاد غيّر وجه التاريخ البشري، من خلال تحويله للسلع الاستهلاكية أو للقيمة الاستعمالية إلى سلع تبادلية، تسويقية وقيمة تبادلية مراكمة للمال، إلى سلع غير مفيدة للحياة المعيشية.
وبذلك تحول الاقتصاد من اقتصاد معيشي إلى اقتصاد لا معيشي، أو من اقتصاد حياة إلى حياة اقتصاد فائض عن الحاجة ولا لزوم له.