وسط السقوط الحر الذي نكابده متدحرجين نحو قاع مستوى المعيشة ونحن نحترق بلفحات نيران الأسعار، لنتلاقى هناك مع قطع الجمر وقدد تلك النار التي أفسدت علينا الحياة، وأخرجتنا من دائرة الفقر إلى ميادين الفقر المدقع الذي بات – بتقييماتٍ محلية ودولية، والأهم من ذلك تقييماتٍ واقعية – يسيطر علينا بحالة من العجز الكبير حيث تنتفي القوى عندنا في حال التدحرج هذه.
وسط هذا الواقع المرير المشبع بالآلام والأوجاع يبدو لنا أن الحكومة وكأنها ستكتفي بالنظر والتأمل والتقييم البطيء المُركّز أملاً بالعثور على طريقة مجدية توقف هذا التدحرج بتثبيت جدران استنادية لعلّ النار تنطفئ تلقائياً دون المجازفة بالتعاطي مع وسائل الإطفاء .. فالطريق وعرة .. والوادي سحيق .. !.
هذه الصور ليست بعيدة عن التوجهات الحكومية البطيئة التي بدأت ترشح عن رؤيتها لتحسين مستوى المعيشة للناس المتدحرجين، فمنذ أيام تحدث الدكتور محمد الجلالي رئيس مجلس الوزراء أثناء لقائه بجلسة حوارية مع اتحاد غرف الصناعة السورية، بالقول إن حكومته ” تتوجه نحو تعزيز الدور الإشرافي والتنظيمي للدولة في مجال القطاعات الاقتصادية والابتعاد عن الدور التشغيلي بشكل تدريجي، موضحاً أن الهدف النهائي للتوجهات الحكومية هو رفع كفاءة الاقتصاد الوطني وتحسين الواقع المعيشي لمختلف شرائح المجتمع ”
هذه العبارة البسيطة تحتاج إلى سنواتٍ وسنوات كي تتحقق – وهذا إن تحققت أصلاً – فيما نحن نحتاج إلى مبادرات إسعافية سريعة لإنقاذنا من التدحرج ومن لهيب نيران الأسعار، فعلى الرغم من الوادي السحيق ووعورة الطريق لا بد من الاسراع والعجلة الشديدة بإطفاء الحريق أولاً عبر زيادة الرواتب والأجور للعاملين في الدولة وللمتقاعدين، والتطلع بعيون الرأفة والإنسانية لأولئك الشباب الذين طرقوا أبواب الكهولة وعجزوا عن تأمين عمل لهم نتيجة العجز الحكومي – الذي لا يزال مستمراً – عن ابتكار الطرائق المجدية التي توفر لهم فرص العمل بمشاريع صغيرة ومتوسطة ميسّرة ومحفّزة لهم، لا مشاريع تعجيزية غير قادرين على تنفيذها فقط، بل ولاحتى على مجرد التفكير بها من صعوبة الشروط والإجراءات وانغلاق أبواب التمويل المُيسّر.
لا شك أن رفع كفاءة الاقتصاد سوف يساهم بشكل تلقائي في تحسين الواقع المعيشي، هذا كلام صحيح ولا غبار عليه، ولكن هذا الكلام ليس مبرراً على الإطلاق بأن يبقى الواقع المعيشي بمثل هذه المرارة القاسية حتى يتحول دور الدولة إلى دور إشرافي على القطاعات الاقتصادية وتبتعد تدريجياً عن دورها التشغيلي، لأن هذا التحول يحتاج فعلياً إلى سنوات طويلة، وبالتالي لا بد من ابتكار حلول سريعة وإسعافية موازية، وإلاّ فإن الآثار الكارثية التي ستترتب على هذا الفقر المدقع للمجتمع ستكون كفيلة بإفشال تلك التوجهات مهما عظمت، لأنّ المجتمع يكون قد انهك تماماً ولن تعنيه بعد ذلك تلك الأدوار المنشودة.. هذا إن لم تكن تبريرية وانهزامية .. !.