الثورة _ هفاف ميهوب:
«إنني أستعرضُ جميع ما كُتب، فلا تميلُ نفسي إلا إلى ما كتبهُ الإنسان بقطراتِ دمه.. اكتب بدمكَ فتعلمُ حينئذٍ بأن الدّم روح، وليس بالسهل أن يفهم الإنسان دماً غريباً..»..
إنه ما قاله الفيلسوف الألماني «نيتشه» في كتابه الشهير «هكذا تكلّم زرادشت»..
الكتاب الذي خاطب من خلاله المجتمع لا الأفراد، والذي تكلّم فيه بلسانٍ حكيمٍ، اعترف خصومه قبل أنصاره، بأن جمله ومعانيه لا تتجلّى، إلا للعقلِ البصير الذي جعله برأيهم، مفكّراً جبّاراً يطالبُ بالحقيقةِ التي تكمنُ في مبادئٍ كثيرة، ولا يكفي طالبها برأيه:»لا يكفي طالب الحقيقة أن يكون مخلصاً في غايته، بل عليه أن يترصّد إخلاصه، وأن يقف موقف المشكّك فيه، فمن يعشق الحقيقة، لا يعشقها لنفسه وأهوائه بل لذاتها، حتى وإن كان ذلك مخالفاً لعقيدته»..
لا شكّ أنه المبدأ الذي يدلّ على قوّة الفكر وحكمته لدى فيلسوفٍ، تفوّق إنسانه على العالم بعد أن حطّم أصنام فكره وشرائعه، وأقام شريعته الخاصة بما وراء الخير، حيث الحقيقة التي كانت هدفه، والتي قوّض كلّ عقيدةٍ لا تؤمن بها، وبحبرِ دمها الذي فاض في روحه..
لا تختلف رؤية الأديب الروسي «تولستوي» عن رؤية «نيتشه»، وبأن الكتابةِ بالدمّ، تدلّ على ما يعتمل في روح الأديب والحكيم من حقائقٍ، قد يكون الألم فيها، أشبه بالألم الذي هيمن على أبطال رائعته «الحرب والسلام».. الرواية التي أشعرته بأن الكتابة، تجعله يبذلُ ماءَ روحه وفكره دفاعاً عن الحياة التي أنهكته، بعد أن خاض أكبر وأوجع معاركها، وقال يصفُ حاله لدى كتابتها: «كنتُ أتركُ كلّ يوم، قطعة من لحمي في المحبرة..».
إنها الكتابة بالدم..
الكتابة التي تُحيي مبدعها حتى بعد رحيله، فتخلّده كما خلّدت «نيتشه» و»تولستوي» وكُثرٌ جداً من أدباءِ وفلاسفةِ العالم، فهاهو أيضاً الفيلسوف والأديب والشاعر المهجري اللبناني «جبران خليل جبران»..
ها هو يغوص في أعماق النفس