لم نعد نستبعد نظرية “العداء الغريزي” للإعلام، وهي خليط غير متجانس من الخوف الفطري والهروب الخبيث من المواجهة، وفي كلا الحالتين نكون أمام حالة هدّامة استحكمت ببعض شاغلي المفاصل التنفيذية، “بعضهم”، وتؤثر تأثيراً عميقاً على صورة المؤسسات الوطنية، كما على الإعلام لجهة المحتوى.. لا سيما في زمن حراك حكومي يترقب معه الجميع كل يوم جديداً ما.
مثير للدهشة أن يمتنع مدير عام شركة أو مؤسسة “أو هيئة” حكومية، أو حتى وزير، من الإفصاح عن جديد يجري العمل عليه في الجهة الموكل إليه أمرها، ويمنع نفاذ أي معلومة مهما كانت هامة ومن شأنها أن تُشعر الجميع بأن ثمة حياة جديدة تدبّ في هذه الجهة أو تلك، بعد طول صمت و وجوم وانكفاء، دون أن يعتريه أي إحساس بحجم الرضّ العميق الذي يتسبب به لحلقة في سلسلة تنفيذية طويلة تعتزم إدارتها مشروع دولة حقيقي ويبدو أنها مصرّة على النجاح..
لا نكتب عن وقائع من كوكب آخر، ولا بلد بعيد أو مجاور، بل عن تعقيدات تعتري يوميات غالبية الصحفيين في هذا البلد، الذي توافقنا على أنه بحاجة إلى جهود الجميع ليعاود النهوض.
بعضهم تقوقع داخل مكتبه وكأنه يهرب من عيون الحاسدين، كنا نظن أنهم يعكفون على دراسة ملفات حساسة، وسيفاجؤون كل من ينتظر جديداً بمشروع واعد, مشروع مدير جديد يخترق القوالب القديمة، لكن المفاجأة الصادمة تكون أن الحكاية مجرد هروب من مواجهة الملأ عبر الإعلام، ومحاولة استقلال بميزات الموقع، والميزات كثيرة.
ليس مطمئناً.. ولم يعد مسموحاً، أن يتذمّر مدير عام من إلحاح تساؤلات صحفي يسعى لتسويق جهة يرفض القائمون عليها تسويقها، كما أنه مثير للقلق أن يرتبك مسؤول تنفيذي من نسق متقدم، في الإجابة على أسئلة في مكتبه لمدة نصف شهر، دون أن يوافق أو يرفض أو يبدي أي موقف إزاءها، حتى ولو إحالة إلى مرؤوس متخصص لإعداد مشرع الإجابة..
محزن أن تتسابق شركات القطاع الخاص لنشر كل ما يرشح عنها، وتدفع مبالغ طائلة لقاء ذلك، فيما تبقى إدارات في القطاع العام أسيرة التردد في استثمار استجابات مجانية يبديها الإعلام الوطني، بل وتحاول مساءلة ومحاسبة من يتجاوب وينفتح على الإعلام، وكأنه يسرب معلومات لجهات خارجية تتربص بالبلاد.. فأي حال مذرٍ هذا الذي وصلت إليه بعض مفاصل الإدارة التنفيذية في بلدنا؟
في رئاسة مجلس الوزراء نلمس حالة انفتاح غير مسبوقة في التعاطي المعلن مع ملفات جداً هامة، إلا أن هذا النهج لم يجد ما يكمله ويجعله مستداماً في بعض “المؤسسات” من مختلف المراتب والمسميات، وأغلب الظن أن ذلك ناتج عن عجز هذه الإدارات عن مواكبة مشروع الحكومة- وهو مشروع دولة – ما يعني أن المسألة باتت في عهدة رئاسة مجلس الوزراء، لمحاسبة من لم يستطيع التماهي مع مشروعها ونهجها في التعاطي مع مختلف الملفات.
ولعل في التعاطي مع الإعلام أحد المؤشرات الهامة التي يمكن القياس عليها في تقييم كل من أسندت إليهم مواقع مسؤولية متقدمة.
نهى علي