الثورة – هلال عون:
يتحدث أحد الصناعيين السوريين (ه. أ. ش) عن العقل المافيوي الذي كان سائداً، خاصة في السنوات العشر الأخيرة من عمر النظام السابق.
ويذكر ذلك الصناعي حادثةً عن تاجر سوري استورد شاشات عرض تلفزيونية، وتتلخص الحادثة بأن وكيله في حلب اتصل به هاتفياً يسأله عن بعض التفاصيل مع الحدود الدنيا للأسعار، وهامش الربح، فأجابه أن ثمن الكلفة، مثلاً، يعادل (٨٠) دولاراً.
– الدولار والسجن:
يتابع الصناعي حديثه، ويقول: تم إلقاء القبض على المستورد السوري، (نتيجة التجسس على اتصالات السوريين) وتم سجنه في فرع الخطيب مدة أسبوع لأنه ذكر كلمة دولار (طبعاً هي حجة للابتزاز)، والتهمة هي التعامل بيعاً وشراء بالدولار.
في فرع الخطيب تمت مساومته على مبلغ 500 ألف دولار لتبرئته، وحين لم يدفع تمت إحالته للمحكمة وصدر قرار بسجنه ٧ سنوات بتهمة التعامل بغير العملة السورية.
ويتابع الصناعي حديثه قائلاً: مع انتصار الثورة تم إخراجه من السجن، بعد أن كان قد أمضى حوالى سبعة أشهر.
– معلقة في الجو:
يتذكر السوريون قضية عجيبة حدثت في آذار من العام الماضي، وهي قضية سرقة 36 كيلومتراً من أمراس الفولاذ والألمنيوم الكهربائية المعلقة في الجو على أعمدة التوتر العالي بمحافظة ريف دمشق، والتي تزن حوالي 100 طن، وقيمتها حوالى 4 مليارات ليرة سورية، وقد تحدثت عن تلك القضية العجيبة معظم وسائل الإعلام.
يتذكر معظم السوريين الذين لا يعرفون مدى الفساد لدى قيادتهم وأزلامها، يتذكرون، حتى الآن، تلك الحادثة بكثير من الصدمة والاستغراب وعدم الفهم، بينما يتذكرها بعض العارفين بمدى فساد قيادتهم وأزلامها فيقولون بينهم وبين أنفسهم (العمى في عيونهم، لهون وصلت معهم !).
– الحقيقة الصادمة:
بدأ البحث والتحري عن اللصوص.. ثم حدث أمر صادم ومذهل وغريب بعد ذلك بأيام، (لم يتم الحديث عنه حتى الآن، وقد أتيح لي أن أطلع عليه، ولكنني لم استطع الحديث عنه، كما لم يستطع الحديث عنه مَصْدَرِي الذي أطلعني عليه، لأن الحديث عما حصل قبل سقوط النظام يعني إنهاء حياة كل منا برصاصة طائشة أو بحادث سيارة مفيمة، بلا رقم).
– القبض على اللصوص:
بعد أن بدأت الجهات الرقابية والأمنية بالبحث والتقصي لمعرفة سارقي الأكبال، وبعد أسبوع تقريباً من وقوع السرقة، أي بتاريخ 27/3/2023 ألقى فرع الأمن الجنائي بريف دمشق القبض على عدد من سارقي الأكبال.
وقد نقل الإعلام السوري والعالمي الخبر، وكتبت وكالة (سانا) حينذاك (27/3/2024) ما يلي: ألقى فرع الأمن الجنائي بريف دمشق القبض على عصابة سرقة مؤلفة من 37 شخصاً أقدمت على سرقة الأمراس “الكابلات” الكهربائية- التوتر العالي، الواصلة بين محطتي دير علي وعدرا، على امتداد 36 كم، وتم استرداد أكثر من ثلاثين طناً من الأمراس المسروقة، التحقيقات لا تزال مستمرة مع الموقوفين وسيتم تقديمهم للقضاء المختص.
– الحس الصحفي والصدمة:
كنت أتابع تلك القضية كما يتابعها البسطاء الذين لا يخطر ببالهم أن أزلام السلطة يمكن أن يكونوا خلف القضية، رغم أنني كنت قد توقفت منذ العام 2019 عن كتابة التحقيقات الصحفية، لأنني أيقنت أنّ الذين نشتكي لهم هم أنفسهم الفاسدون، وينطبق عليهم قول المتنبي: “فيك الخصامُ وأنت الخصم والحكم”، رغم كل ما سبق أخذتني الحماسة لمتابعة تفاصيل القضية وكتابة تحقيق صحفي حولها.
– ابتعد عنّي:
بدأت بجمع المعلومات من مصادر التحقيق مع الموقوفين منذ اليوم الأول لتوقيفهم، ولكن بعد ذلك بيومين، وحين كنت أسأل المصدر عن مجريات التحقيق، فاجأني بالقول: (أخي كرمال الله حل عنّي)!.
وبين أخذ وردّ ونتيجة إصراري على معرفة أسباب تغيّر موقفه قال لي: جاءنا أمر من وزير الداخلية بإنهاء التحقيق بالموضوع فوراً.
قلت له غيرَ مصدِّقٍ: لكنك قلت لي قبل أيام إن وزير الداخلية طالبكم ببذل أقصى الجهود لإلقاء القبض على اللصوص.
نظر إلي ذلك الضابط نظرة متفحصة، وكأنه يحاول قراءة شخصيتي وسلامة عقلي من خلال ملامح وجهي، وهو غير مصدّق أنني لم أفهم أن شخصاً أقوى من وزير الداخلية أمره بطي الموضوع، وأن اللصوص يعملون لحساب ذلك المسؤول الكبير.
* الحلقة الأولى
#صحيفة – الثورة
