الثورة – نور جوخدار:
لم يخرج من السجن بجسده، بل بروحه من خلال الرسم وقراءة الكتب، من خلال تخيلاته وحياته، ومن خلال أحلام اليقظة التي ممكن أن تنمي الفكر، ولكن بكثير من الأوقات يكون لها ضرر، لذا كان عليه وقتها أن يوازن بين حياته في السجن، وبين عالمه الموازي، المختلف بعض الشيء عن باقي السجناء، لم يقطع يوماً أمله من الخروج من السجن، لكن ليس عن طريق طلبات الاسترحام أو الترجي لضباط النظام المجرم وقضاته وسجانيه، بل بالمقاومة والصبر، لأنه صاحب حق وصاحب الحق لم يكن صوته خافتاً يوماً.
هذا ما بدأ به عميد المعتقلين السياسيين الطيار رغيد الططري المعتقل في سجون النظام البائد، 44 عاماً، حديثه خلال لقائه في بودكاست مع قناة العربي الجديد، وهنا ترصد صحيفة “الثورة” حديثه وتفاصيل حكاية اعتقاله.
ولد رغيد الططري في دمشق 1955، ومن شدة حبه للطيران التحق الجيش والقوات الجوية السورية 1972، وتخرج من الكلية 1975، وعلى إثر أحداث حماة ورفضه أوامر قصف مواقع بالمحافظة، أو الإبلاغ عن زملاء له انشقوا عن الجيش، سُرِّح من الجيش، بعد ذلك سافر إلى الأردن عام 1980 وبقي فيها مدة ثمانية أشهر قبل أن يتوجه إلى مصر حيث طلب اللجوء السياسي لدى الأمم المتحدة لكنه رُفض في النهاية.
في عام 1981 اضطر للعودة إلى سوريا، فاعتقل رغيد من قبل إدارة المخابرات الجوية- فرع الأمن الخارجي بسبب واش وشى به وبصديقه محمد سيجري.
– بداية الاعتقال:
يقول رغيد: بعد تعرضه للتعذيب والتحقيق بصورة وحشية في سجن المخابرات العامة بكفر سوسة لمدة ثلاث سنوات، دون إحالته لمحكمة، وتم التحقيق معه بسبب رفعت الأسد، وأحداث المغرب في أواخر الـ1984 بداية الـ1985 والتي لا يعرف سبب هذا الترابط بين تهمته وتلك الأحداث، نقل إلى سجن المزة العسكري، المحكمة الميدانية في الثاني من كانون الثاني 1985، وبقي فيه مدة سنة ونصف، وهناك حوكم فيها بتهمة التنسيق مع جهات خارجية أميركية ومصرية وأردنية بشأن هروب طيارة إلى إحدى المطارات الأردنية، بعد شهرين وجه له تهمة جديدة لم يكن يعرف بها سوى أنه تم توقيعه على بياض، إلا بعد 30 عاماً عند وصوله لسجن تدمر هنا اكتشف حكمه المؤبد بتهمة إفشاء معلومات ووثائق مؤتمن عليها لصالح دولة أجنبية.
– سجون عدة:
تنقل الططري في عدد من السجون، منها سجن تدمر عام ١٩٨٦ والذي تعرض في زنازينه لأشد أنواع القسوة منها الحلاقة بالعملة المعدنية، وذلك تجنباً للشتم والتعذيب من قبل الحلاقين هناك، وفي ١٩٨٧ تعرض لمعاناة من الجوع والمجاعة والتي بقيت حوالى السبعة أشهر، بالإضافة للإصابة بالأمراض مثل السل والانصباب الرئوي، كما فقد رغيد رفاق دربه الذين ماتوا تحت التعذيب أو الإعدام.
أما في سجن صيدنايا قضى عشر سنوات من ٢٠٠١ إلى ٢٠١١ وشهد عصيان صيدنايا الأول في ٢٧ آذار ٢٠٠٨ لمدة يوم، والثاني في ٧ حزيران ٢٠٠٨ والذي كان الأخطر، والتي رد النظام فيها بالتعذيب والقتل.
بداية الثورة 2011
بعد بداية الثورة السورية ٢٠١١ نقل رغيد إلى أسوأ سجن وهو سجن عدرا المركزي، وذلك بعد اعتراضه هو ورفاقه على تعذيب المعتقلين الثوريين، وبسبب امتلاء سجن صيدنايا بالمعتقلين.
رفض الططري آنذاك ارتداء الزي الجنائي مستنداً على المادة ٤٦ من قانون العقوبات التي لا تلزم فيها المحكومين بالاعتقال بارتداء لباس السجن.
عاش الططري ظروفاً إنسانية صعبة، وحرم من رؤية أهله وأقاربه، فقد تعرف على ابنه الوحيد وهو شاب بعد ١٦ عاماً من اعتقاله في سجن تدمر، على الرغم من ولادته عندما كان في الأردن لكن لم يشاهده بسبب اعتقاله فور وصوله إلى دمشق.
وفي عام ٢٠١٥ اتهم الططري مع 12 سجيناً بتهمة إنشاء تكتل واعتقل في السجن ذاته ووضعوه في المنفردة، نفذ بعدها إضراباً عن الطعام، حيث طلب نقله بعد ذلك إلى سجن السويداء عام ٢٠١٦.
عوقب الططري في عام ٢٠٢١ بسبب امتلاكه هاتفاً نقالاً، ونقل إلى سجن طرطوس وبقي هناك إلى حين تحرير سوريا وسقوط النظام المجرم على يد الثوار في الثامن من ديسمبر ٢٠٢٤.
هكذا انتهت معركة رغيد ورحلته في سجون ومعتقلات النظام البائد حسب ما أسماها.
– عرفان شكر:
كرَّم أهالي محافظة حماة رغيد الططري بعد الإفراج عنه من سجون الأسد المجرم، وقدموا له هدية رمزية سيفاً مذهباً عربون شكر وامتنان.
#صحيفة_الثورة
