الثورة – علا محمد:
بقلب ملؤه الأمل والعزم وقف مخاطباً الشعب، وبذات القلب تلقاه الجميع ، فكلماته أشرحت الصدور وبثت الطمأنينة في القلوب، فما كان إلا الدعاء له بالتوفيق والسداد لما فيه خير البلاد.
بذات الوقت كان هناك تساؤل طرحه الكثيرون عن قانونية تسلم السيد أحمد الشرع منصب الرئيس من دون انتخابات تشريعية، ما جعلنا نقف عند جملة ذكرت في الخطاب حين قال الرئيس الشرع: “تسلمت مسؤولية البلاد بعد مشاورات مكثفة مع الخبراء القانونيين”.
في إطار ذلك التقت “الثورة” القاضي المستشار طارق برنجكجي الذي أفادنا بالرؤية القانونية التي توضح ذلك.
وبيّن بدايةً حق الثورة في إسقاط النظام السابق مع كامل أجهزته بقوله: الثورة هي حالة هيجان شعبي رافض لكل أشكال الظلم والفساد والاستبداد التي يمارسها الحكّام، وبقدر ما تكون الثورة قوية بقدر ما تواجَه بالعنف من النظام الحاكم، وإن النظام الذي واجهته الثورة السورية لم يكن يقتصر على مجرد شكل الحكومة أو النظام السياسي، وإنما يتكون من مجموعة من الأجهزة الأمنية والاجتماعية والإدارية والمدنية والدينية والاقتصادية، بالإضافة إلى الأجهزة السياسية والدستورية، والثورة جاءت لتحدث تغييراً في هذه الأجهزة جميعاً، كونها أجهزة بنيت فيها الهيكلية التنظيمية على الاستئناس الحزبي والارتباط بحزب البعث شكلاً ومضموناً وهو الحزب الحاكم، فكان لا بد من حل حزب البعث وجميع الأجهزة المرتبطة به ارتباطاً وثيقاً، وكذلك الأجهزة التي حاربت ضد الثورة في سعيها لإبقاء النظام، فكانت حربها ضد الثورة مباشرة، لذلك تأتي الثورة وتطيح بالنظام بجميع أجهزته ومكوناته، ولما كان الشعب مصدر السلطة فهو مصدر الثورة أيضا، فالحركات الثورية كافة على مر التاريخ تستمد شرعيتها من الشعب، فالهيجان الشعبي هو الذي يأخذ شكل الثورة، ومن ثم هو الذي يقود الثورة ويعطي شرعيتها في وجه الأنظمة البائدة
لا عودة لدستور سابق
ويتابع برنجكجي: الثورة غايتها الإطاحة بنظام الحكم الذي استمد وجوده وشرعيته من الدستور، فيسقط الدستور بشكل تلقائي لأن وجود النظام مستمد من الدستور دون تحديد أي دستور سواء 2012 أو 1973، فأيّ دستور يعطي الشرعية لنظام الحكم الذي أطاحت به الثورة يكون دستوراً ساقطاً بنجاح الثورة، فدستور 2012 ساقط، وكذلك دستور 1973 الذي يعد حزب البعث هو الحزب القائد في الدولة والمجتمع، فالثورة تسقط الدستور بمضمونه لا بتاريخ صدوره، ولا يشترط العودة حتماً إلى دستور عام 1953 أو دستور 1950، فمن المتصور البقاء دون دستور لحين إقرار الدستور الجديد للبلاد، ولو قلنا العودة لدستور الخمسينات، فهذا يعني أن هناك دستوراً في الدولة ويمكن السير في هديه وتشكيل المجالس والحكومات، إلا أن ذلك لا يطبق في جميع الحالات، ولاسيما في الثورة السورية، وإلى حين صدور الإعلان الدستوري تكون الشرعية في هذه الفترة مستمدة من أرض الواقع، أي من الشعب الذي ثار على الحكم الظالم وأسقطه، فالثورة عندما تطيح بنظام الحكم وليس برأس النظام فقط، تصبح الدولة بلا دستور.
عقد اجتماعي جديد
وأضاف: لأن الشعب هو مصدر السلطة، فالشعب هو الذي يعطي الثورة شرعيتها، ويعطيها التفويض الشرعي باستلام القيادة في البلاد، فالعقد الاجتماعي القديم قد انحل بسقوط النظام السابق، ونشأ عقد اجتماعي جديد بين الشعب الثائر وقيادات الثورة، بهذا العقد يفوض الشعب الثوار بقيادة البلاد، فيضع الثوار للدولة شكلها وكيفية قيادتها في المرحلة الانتقالية من سقوط النظام إلى تأسيس نظام جديد، حيث يتم تشكيل مجلس قيادة الثورة، ويقوم هذا المجلس بتعيين رئيسه، كما قام الثوار بتنصيب القائد أحمد الشرع رئيساً للبلاد، وغالبا ما يكون الرئيس يحمل مسمى رئيس المجلس العسكري أو مجلس قيادة الثورة.
دلالة تسمية القائد الشرع رئيس الجمهورية
وأوضح برنجكجي أن قيادة الثورة اختارت أن تكون التسمية رئيس الجمهورية للدلالة على مرحلة بناء الدولة وانتهاء الثورة، والتأسيس لنظام حكم مدني جديد، فما تم من إجراءات بتنصيب القائد أحمد الشرع رئيساً للبلاد، إنما يجد أصله في الشرعية الثورية لا في الدستور، فالشرعية القيادية أسبق وجوداً من الدستور، فهي التي تضع الدستور لتتابع الدولة سيرها في هداه، فلا يمكن وضع دستور من دون سلطة، إلا أنه من المتصور وجود سلطة من دون دستور وهي السلطة الفعلية الناتجة عن الشرعية الثورية ريثما تصبح سلطة دستورية بقيادة أركان الثورة ذاتها.
عبر التاريخ
وأكد القاضي برنجكجي، أن هذا ما يحدث دائماً في جميع الثورات، ولنا في سوريا تاريخ بذلك، فأول رئيس للجمهورية السورية كان السيد تاج الدين الحسني الذي تم تكليفه بالرئاسة عام 1931 لحين الانتهاء من وضع الدستور بعد سنة ونصف عام 1932، وانتخاب محمد علي العابد كأول رئيس منتخب لسوريا، وإن الإجراءات التي أقرها الرئيس أحمد الشرع إنما هي الطريق القانوني الصحيح للوصول إلى رئيس
ميسون حداد, [02/02/2025 02:41 م]
منتخب، حيث تم حل حزب البعث الحاكم، كما تم حل مجلس الشعب وغيره من المؤسسات المنبثقة عن الدستور والنظام الساقط، والتي تعد جزءاً من النظام السياسي الذي قامت الثورة من أجل إحداث تغييرات جذرية فيه، ريثما يتم إعداد قانون جديد للانتخابات وتشكيل مجلس تشريعي مصغر ثم إقرار هذا القانون وإصدار إعلان دستور ريثما يتم الإعداد لدستور الدولة الجديدة، ثم إجراء انتخابات تشريعية وتشكيل مجلس الشعب والاستفتاء على الدستور عن طريق حوار وطني أو غيره ثم إقرار الدستور وتشكيل المحكمة الدستورية ثم إجراء الانتخابات الرئاسية وانتخاب رئيس للبلاد.
تنصيب رئيس من قيادة الثورة
إن إعداد الدستور وإقراره قد يستغرق سنوات، فلا يعقل أن تبقى الدولة من دون رئيس أو مؤسسات، تقودها خلال هذه الفترة بشكل شرعي، وإن الدستور التونسي لعام 2014 وهو الأقرب إلينا في الدول العربية الحديثة استغرق ثلاث سنوات، والدستور الكندي لعام 1985 بقي خمس سنوات، والدستور الأمريكي استغرق قرابة عشر سنوات، ولكي لا تبقى سوريا في فترة إعداد دستورها الجديد في مرحلة فراغ سياسي ومؤسساتي كان لا بد من تنصيب رئيس للبلاد من مجلس قيادة الثورة الذي أخذ شرعيته من الشعب الذي أطاح بالنظام السابق وهذا ما حدث، والقادم أفضل.
#صحيفة_الثورة