الثورة – جاك وهبه:
في زمن مضى، كانت عبارة “تخفيضات تاريخية” كفيلة بإثارة حماس الناس ودفعهم للتزاحم أمام المحال التجارية، أملاً في اقتناص فرصة لا تُفوت.
لكن اليوم، يبدو أن هذه العبارة فقدت سحرها، حيث تتزين واجهات المحال بالإعلانات الجذابة، بينما الشوارع خالية إلا من أصحاب المحلات أنفسهم الذين ينتظرون زبونًا قد لا يأتي، فلماذا تحوّلت “التخفيضات التاريخية” إلى مجرد لافتات باهتة لا تُثير سوى الحنين لأيام كانت فيها القدرة الشرائية حقيقية؟
الجيوب الفارغة
الأزمة ليست في الأسعار، بل في الجيوب الفارغة، فالمواطن السوري اليوم ليس في إجازة اختيارية من التسوق، بل أُجبر على ذلك بسبب توقف الرواتب أو تأخرها، وغياب السيولة النقدية، فكيف يمكن لشخص لم يتقاضَ راتبه منذ أشهر، أو بالكاد يغطي أساسيات معيشته، أن يُفكر في الاستفادة من “عروض مغرية”؟
المفارقة أن انخفاض الأسعار كان في الماضي يعتبر مؤشراً على تحسن اقتصادي أو فرصة لتحريك السوق، أما الآن فهو مجرد صدى لأزمة أعمق، ركود قاتل يضرب عصب الاقتصاد، حيث تتكدس البضائع، وتذبل أحلام الباعة والمشترين معاً.
بعض المواطنين، أشاروا إلى أنهم لم يشعروا بأي تحسن حقيقي في حياتهم اليومية رغم انخفاض أسعار بعض السلع، يقول مجد السعيد، أحد المتسوقين في دمشق: “حتى لو انخفضت الأسعار، نحن لا نملك المال لشراء ما نحتاجه، الرواتب متوقفة أو تأخرت، وهذا يزيد من معاناتنا”، وأضافت أم رشيد، ربة منزل: “لا أستطيع الآن تلبية احتياجات أولادي بسبب توقف راتب زوجي، رغم أن الأسعار في بعض الأماكن قد انخفضت”.
كومة من السلع
من جهته أشار الخبير الاقتصادي فاخر قربي، إلى أن الوضع الاقتصادي في سوريا يعيش حالة من التناقض الواضح، حيث أن انخفاض الأسعار لا يعد مؤشراً على تحسن الوضع العام للمواطنين.
وقال قربي: “رغم أن انخفاض الأسعار في بعض السلع قد يراهن البعض على تحسن اقتصادي ما، إلا أن ذلك لا يكفي لتغيير الوضع العام، والحقيقة أن السيولة النقدية هي الأساس في أي حركة اقتصادية، فعندما يغيب المال عن الأسواق ويعاني المواطنون من تأخر الرواتب، فإن السوق يُصبح مجرد كومة من السلع التي لا يمكن بيعها وبالتالي فقد يتحول هذا الانخفاض إلى وهم يؤرق المواطن بدلاً من أن يدفعه للارتياح”.
الجمل بليرة وما في ليرة
وأضاف قربي: “أزمة الرواتب المتأخرة أو المنقطعة ساهمت في زيادة ركود السوق، حيث أصبح المواطنون لا يثقون في قدرتهم على الحصول على المال لتلبية احتياجاتهم اليومية، حتى وإن كانت السلع قد أصبحت أكثر توفراً وأقل سعراً، وهذا يجعل مشكلة القدرة الشرائية أكثر تعقيدا من مجرد انخفاض الأسعار “كما يقال في المثل” الجمل بليرة وما في ليرة “.
وفيما يخص التأثيرات المستقبلية لهذه الظاهرة، حذر قربي من أن استمرار الوضع الحالي قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية بشكل أكبر، وقال: “لا يمكننا القول إن هناك تحسنا حقيقيا في الاقتصاد طالما أن العوامل الأساسية مثل الرواتب والنقد المتداول مفقودة، والحلول تبدأ أولاً من معالجة توقف الرواتب وضخ سيولة مالية في الأسواق لخلق حركة اقتصادية طبيعية”.
إجازة مفتوحة
ختاماً، الحلول ليست في المزيد من التخفيضات أو العروض التسويقية، بل في إعادة ضخ الحياة في جيوب الناس عبر إصلاح السياسات الاقتصادية، وتحريك عجلة الرواتب، وتوفير السيولة، فالمشتري لم يغادر السوق بإرادته، بل أُجبر على إجازة مفتوحة، قد تطول ما لم يعمل صانعو القرار على حقيقة أنه لا قيمة للبضائع إذا لم يكن هناك من يستطيع شراءها.
#صحيفة_الثورة