الثورة – تحقيق لينا إسماعيل:
قبل أن تزور حرستا، بوابة مدينة دمشق الشمالية، عليك أن تتحضّر نفسياً لمشاهدة أبشع صور الدمار التي خلفها النظام البائد خلال سنوات استهدافه لها بالبراميل المتفجرة التي لم تنجُ منها حتى المساجد.. ومعروف عن مدينة حرستا أنها عامرة ببيوت الله، حيث تجاوز عدد المساجد فيها 30 مسجداً ما بين العراقة والحداثة.
مشاهدات ميدانية
صحيفة الثورة زارت عدداً من المساجد في حرستا، ولم تكن مبَالَغة عندما أُطلِق على المدينة صفة المنكوبة، خاصة منطقة الهلال وامتدادها باتجاه دوما التي كانت من أكثر مناطق المدينة حياة بفعالياتها التجارية والخدمية، فتحولت إلى أطلال وركام، لا تسمع فيها سوى صفير الرياح.
المَشاهد تنقل إليك حسرات موجعة على ذكريات آلاف المهجرين والنازحين قسراً تحت نيران القصف والمدافع.
جامع الكريم (العجمي سابقاً) يتوسط المدينة، ويُعتبر من أكبر جوامع حرستا، وكان قد تم تحديثه قُبيل اندلاع الثورة، لكن يد الإجرام والتخريب فجرته من الداخل، حسب ما أوضح أحد سكان المنطقة المدعو أبو أيمن المرابط، فقد وضع أزلام النظام البائد المتفجرات داخله، وكانت النتيجة دماراً لا يختلف كثيراً عن المباني المحيطة به والتي تحولت بطوابقها إلى كتل إسمنية على الأرض.
جامع أثري
أما المساجد الواقعة غرب الأوتستراد ومنها مسجد عمار بن ياسر ومسجد خالد بن الوليد، فقد تم هدمها أيضاً، رغم قربها من الأوتستراد الدولي.. وأما جامع العمري الذي يعتبر أول وأقدم مسجد في حرستا، حيث بناه وزير الدولة الأيوبية (صفي الدين بن شكر) فقد حظي بتجديد واضح مع الاحتفاظ بملامحه الأثرية رغم ما لحقه من استهداف.
تدمير ممنهج
عن واقع مساجد حرستا قبل اندلاع الثورة وخلالها حدثنا الشيخ (محمد علي الشيخ درويش) عضو مجلس الشورى في حرستا، إمام جامع الزهراء قبل الثورة وخطيبه حالياً، والمدرس في عدد من معاهد الغوطة وعفرين، قائلاً: “إن حركة بناء المساجد كانت نشطة ومتواصلة، منها المساجد الكبيرة التي كانت منارة للعلم والمعرفة والعبادة في الغوطة الشرقية، كمساجد الزهراء والعجمي والحسن، إضافة إلى العديد من المساجد الأخرى التي شكلت معالم دينية وتاريخية للمدينة، إلا أنها لم تسلم من نيران الحقد الأسدي، فتعرض أغلبها للقصف والتدمير، ولم يسلم منها سوى مسجدين أو ثلاثة فقط.
وأضاف: “بعد خروج الأهالي من بيوتهم، وتهجيرهم خارج المدينة، استمر التدمير الممنهج، حيث قام النظام بتلغيم وتفجير عدد آخر من المساجد، وسرقة محتوياتها بالكامل من أبواب ونوافذ وسجاد وحتى مواد الكهرباء والماء، ليتحول بعضها إلى مجرد ركام، كمسجد الإيمان ومسجد عبادة بن الصامت والقاسم وعمار بن ياسر ومسجد في أرض الجديدة غرب الأوتستراد، كما تم تفجير مسجد الكريم (العجمي سابقاً) بمتفجرات وضعت داخله”.
إحياء المساجد المدمرة
عن أهمية المساجد والأعمال المنجزة فيها حالياً أوضح الشيخ محمد أبو هيثم، وهو حالياً المكلف بلجنة أوقاف حرستا أن المسجد بالنسبة للمسلمين هو قلب المجتمع النابض فمنذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كان مدرسة يتعلم فيها المسلمون أمور دينهم ودنياهم، وهو الجامعة التي يتخرج منها العلماء والفقهاء ومستشفى لعلاج المرضى وتقديم الدعم للمحتاجين وكذلك المؤسسة القضائية التي يُرجع إليها في حل النزاعات.
ولفت الشيخ أبو هيثم إلى أن أبا بكر وعمر، وصلاح الدين، وأحمد ياسين وغيرهم من القادة والعلماء، تخرّجوا من الجوامع، لذلك كان أول ما قام به النبي صلى الله عليه وسلم عند وصوله إلى المدينة هو بناء المسجد، ولذلك تعتبر إعادة إحياء المساجد المدمرة واجباً دينياً وإنسانياً، وهو مسؤولية الجميع.
وتابع: هناك مساجد قائمة لكنها تحتاج للترميم كمساجد عبد الله بن المبارك وعقيل بن أبي طالب، والشكر، وخالد بن الوليد، والبركات، والحسن، والعمري، ومسجد السيدة عائشة، والصديق، وعمر بن الخطاب.
كما يوجد فيها مساجد أثرية مثل العمري والمحاسنة، وقد تم تجديدهما باستثناء مئذنتيهما اللتين بقيتا محافظتين على طابعهما الأثري.
تكاليف بالمليارات
بعد التحرير مباشرة تم تشكيل مجلس شورى ينهض حالياً بكل مسؤوليات إعادة الحياة للمدينة.
وعن دور المجلس في ترميم المساجد وإعادة تأهيلها، أوضح رئيس المجلس السيد مصباح عبد الجليل أنه تم تكليف لجنة لإعادة تقييم تكاليف ترميم المساجد من مهندسين ومختصين، وتم تكليف لجنة صلح للنظر في الأحوال الشخصية والمالية، ولجنة متابعة الشؤون الوقفية، وتفعيل البرامج الدينية في المساجد وخاصة في شهر رمضان.
وتحدث الشيخ بسام حلبوني- أحد أعضاء اللجنة المؤلفة من ستة مهندسين، أنه تم الانتهاء من تقييم تكاليف ترميم جامع عقيل حالياً، وأنهم يسعون لتحفيز همم أهل الخير للتعاون في تنفيذ هذه المهمة، كونها تحتاج مبالغ ضخمة بالمليارات لتعويض ما تم تخريبه وسرقته.
فقد قال الله تعالى: “إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ” (التوبة: 18).
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِداً، وَلَوْ كَمِفْحَصِ قَطَاةٍ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ”.
رمضان في زمن الحرية
ولأن لرمضان المبارك خصوصية في هذا العام توجهنا بالسؤال لمدير شؤون المساجد في الغوطة الشرقية الشيخ محمد أبو خالد عن برنامج مساجد حرستا الرمضاني، وكيف سيتم تجاوز عقبات الدمار والتخريب، فأوضح أنه رغم كل ما حلّ ببيوت الله من تدمير وسرقات، فإن مساجدنا ستظل منارة، وسنعمل في رمضان على أداء صلاة التراويح يومياً، بالإضافة إلى دروس يومية بعد الفجر وبعد العصر وحلقات لتحفيظ القرآن الكريم، ومسابقات دينية، والتواصل مع المنظمات لتوزيع المساعدات.
أما إحياء ليلة القدر هذا العام فسيكون له خصوصية الاحتفاء بالنصر وبالشكر لله على التحرير بانتظار إعادة تأهيل المدينة كاملة وعودة الآلاف من أهلها وسكانها المهجرين والنازحين.
#صحيفة_الثورة