الثورة – غصون سليمان:
ما الذي يحدث حين يتلقى أي طفل من أبنائنا عبر مداركه واستيعابه المتواضع أسئلة ومسميات يسمعها في الحارة والمدرسة، بات يسمعها اليوم من قبل البعض، ليأتي مسرعاً متحمساً لسماع الجواب من ذويه، ويتفوه بعبارة، ماما.. بابا.. أنا شو؟! تخيلوا انطباع الطفل وتلميذ المرحلة الابتدائية وهو يلاحظ قسمات الوجه ونبرة الصوت، مجرد أن يسأل وينتظر دقائق من الصمت لتحضير الجواب المناسب لفهمه، وتقبله بما يقارب وعيه، إذا كانت الأسرة معتدلة ومنفتحة وغير متعصبة طبعاً.
تستفسر الأم ابنها الصغير وتقول من سألك هذا السؤال؟!.. يجيب تلميذ الصف الثاني بخجل الآنسة، سألتنا اليوم واحداً واحداً أنت شو”؟
بمعنى للأسف معرفة المذهب المعتنق.. فلطالما سوريا التي عرفناها بكل تجلياتها وقومياتها، وأعراقها واثنياتها وعشائرها وإرثها الثقافي الغني عابرة للطوائف والمسميات الهدامة، وإن كانت تخترق لبعض الوقت جدار إنسانيتها هنا وهناك.
وبالعودة إلى سؤال المعلمة.. نقول دور المعلم أو المعلمة أو بعضهم هو مداواة الجراح المفتوحة لبعض الرواسب الاجتماعية وضرورة تضميدها بعد أربعة عشر عاماً من الحرب والقهر، لا أن يكون بصب الزيت على النار، وإشعال الفتنة وتشويش أذهان الطفولة المبكرة بأشياء غير قادرين على فهمها، وحتى الأهل من كل الأطياف ربما لن يكونوا أيضاً قادرين على إشباع فضول أبنائهم بطيب الكلام البعيد عن التوتر والقلق.
لنكتفي بهذا القدر من خطورة الطرح الذي تكرر في أكثر من مدرسة في ريف دمشق وغيرها من المناطق الأخرى من قبل بعض المعلمين والمعلمات لدوافع خفية، أو مزاج مضروب بعقدة نفسية، علماً أن مدارس سوريا بكوادرها وقاعاتها الصفية تعد أهم منابر التربية، والتي أكثر ما يجب أن تهتم به قبل التعليم هو تمثل الأخلاق السامية، والمواطنة الحقة، والحرية النبيلة لمكونات المجتمع السوري.
نقول صراحة في هذا السياق: كنا ومازلنا وسنبقى نخجل التلفظ بالعبارات الطائفية، رغم غزوها اليوم واختراقها لجميع مؤثرات أنواع وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي المنضبطة منها إلى حد ما، والمنفلتة من عقالها إلى أبعد حدود- حسب معتقدات وثقافة كل شخص وجهة، مهما كثرت التجاذبات بلغة الطائفية المقيتة والعصبية الحاقدة يجب ألا تؤثر على نسيج المجتمع.
من المعيب على أي معلم ومعلمة، مدرس ومدرسة، يحملون رسالة بناء الجيل بأمانة وصدق أن يغوصوا بلغة التفرقة أمام براءة غضة.. لطالما وصلت الأمور عند البعض حد الصفاقة في طرح أسئلة متزامنة مع حملة تشويه وعي المجتمع السوري الذي يخوض معركته الوجودية على جميع المستويات.