كلما خان الإنسان الأمانة وتعامل بأنانية، ابتعد عنه الناس وتزعزعت ثقتهم به بدل أن تتعزز، ويصبح فوق ذلك مكروهاً وسيرته على كل لسان، حتى لو لم يواجهوه، وكلما عرف الحق وجعل ذمته بريئة مما عليه بغير أنانية أحاط نفسه بالحب، وحظي باحترام وتقدير الآخرين. والأمانات ليست أموالاً فقط، بل هي أشياء وأشخاص، والأخيرة أهم تلك الأمانات، لأن أمن هؤلاء وراحتهم والحفاظ على كرامتهم أمانة بيد الجهات المسؤولة عنهم. فأداء الأمانة يعزز الثقة ويرسخ المروءة، ولهذا قيل: “أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك عليها، ولا تخن من خانك”، وهو ما ورد في الحديث الشريف عبر كلمات بسيطة الطرح، لكنها حكماً عميقة المعنى. والأمانات كما أسلفت، تتراوح بين المادية والمعنوية، وتخص إعادة الدين إلى الدائن، والأداء الجيد للعمل، وحفظ البيوت والأسرار، وحقوق الجار، وهي ثقيلة على الكاهل، ولا يقوى على حملها إلا من كانت لديه القدرة على كتمان الشدائد والغيض، وصاحب القلب النقي والبطانة الواسعة، والمترفع عن أنانيته، والذي يحب لغيره ما يحب لنفسه. وصاحب الأمانة شخص خصه الله سبحانه بميزات تختلف عن غيره، ومن المفترض أن يحمل في صدره وروحه وعقله، جميع الفضائل والخصال الحميدة ويحسب لعواقب أفعاله، ويعمل جاهداً لنشر الأمن والسكينة، وتعميق العلاقات الاجتماعية، وهو ما يترك في النفوس طاقة إيجابية عظيمة، تجعل منه شخصاً مقبولاً بين الناس ومحبوباً بين أفراد أسرته، والأهم من هذا أنّ الشخص الذي يؤدي الأمانة، ويبرئ ذمته يرضي الله وعباده، لكون أداء الأمانة وسيلة لتعميق المروءة وتشجيع الأشخاص على الوفاء وعمل الخير والدلالة عليه.