نزار جاف كاتب وصحفي عراقي
لن يموت لأنه حرّ، من ولد حراً لن يموت!، هذه العبارة وردت في نهاية فيلم”کيوما”، الذي يتحدث عن الاضطهاد والقمع وسلب الإرادة الحرة للإنسان، عندما أنجبت امرأة طفلاً في نهاية الصراع والمواجهة بين طرفي الخير والشر في الفيلم مع ملاحظة إنّ مشهد الإنجاب کان في الأساس ذا دلالة رمزية کما عبّر عن ذلك مخرج الفيلم، حيث نادت امرأة مسنة کيوما “بطل الفيلم”، والذي کان على دراية بعملية الولادة في خضم مواجهة دامية انتهت بالقضاء على الأشرار، بأنّ الطفل لن يتمكن من العيش وسوف يموت، لكن کيوما يجيبها بتلك العبارة التي أوردناها في بداية المقال، والتي کان يرمز من خلالها إلى أنّ الحرية خالدة.
کيوما قفز إلى ذهني، وأنا أتابع انتصار الثورة السورية في 8 ديسمبر2024، ومازلت أتابع مساراتها والأحداث والتّطورات المتداعية عنها، إذ أن الثورة السورية قد تعرضت لأکبر عملية تشويه وتزييف من نوعه، ولاسيما بعد استقواء الدکتاتور الهارب بشار الأسد بقوى خارجية، وفي ظل ظروف وأوضاع دولية وإقليمية، وتنمره على شعبه، في فيلم کيوما کان الظلم والقهر والاستلاب هو المهيمن، ولم يكن هناك من أمل للتغيير، لكن وفي فترة حاسمة تغيرت الصورة وتم هزيمة الأشرار شر هزيمة کما حدث خلال فترة قياسية شهد العالم کله فيها سقوط ذلك النظام الدکتاتوري الفريد من نوعه في الدموية والإجرام بل، وحتى أنّ سقوطه قد فاجأ حلفاءه قبل العالم.
منذ أن تمكن أعداء الشعب السوري من عرقلة انتصار الثورة السورية في عام 2011، فقد جرت حملة تشويه واسعة لهذه الثورة، إذ أکدوا بأن انتصارها سوف يٶثر سلباً على الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة بل وحتى تم الاستشهاد بها کنموذج ومثال سلبي للبلدان الأخرى فيما لو حدثت فيها ثورات، ولاسيما عندما زعم النظام الإيراني بأن حدوث ثورة في إيران سوف يتسبب في فلتان أمني وفوضى عارمة ستعم المنطقة، ولن يسلم أي بلد في المنطقة منها.
انتصار الثورة السورية والسياق السلمي الذي تداعى عنها إذ لم يكن هناك أي فلتان أو فوضى أمنية کما لم تٶثر سلباً على البلدان المجاورة لها بشكل خاص وبلدان المنطقة بشکل عام بل وحتى إنها جاءت في صالح السلام والأمن في المنطقة، مما دحض کل الرٶى ووجهات النظر السلبية التي کانت ترى أنها ستٶثر سلباً على الأوضاع السياسية والاجتماعية لبلدان المنطقة. ومع ملاحظة أن النظام الإيراني هو من سعى إلى تبني وجهة نظر واهية كهذه، وذلك من أجل المحافظة على نفسه وضمان ليس عدم حدوث انتفاضة أو ثورة ضده فقط بل وحتى عدم دعم وتأييد بلدان المنطقة لها، مع ملاحظة أنّ أکثر ما يدعو للسخرية أن النظام الإيراني يعتبر نفسه الأمين على إيران، ويعتبر مطالبة الشعب بحقوقه وحريته مصدر فوضى في حين أن هذا النظام قد قاد إيران إلى أسوأ الأوضاع وتسبب في جعل غالبيته يعيشون تحت خط الفقر.
على مر التأريخ الإنساني، هناك ثورات کثيرة ومختلفة، ولكنّ البعض منها قد حفر في الذاکرة الإنسانية مكانتها المميزة، وليس من السهولة نسيانها أو تجاوزها، نظير ثورة العبيد التي قادها سبارتاکوس بما حملتها من معاني إنسانية نبيلة في العصور القديمة، والثورة الفرنسية والأفكار والرٶى الإنسانية والحقوقية التي بشرت بها، وأسست لعصر جديد في التأريخ الإنساني، والثورة البلشفية في روسيا ضد الحكم القيصري وانتصارها للطبقة العاملة والكادحين، والثورة الإيرانية التي جاءت بعد فترة سبات لتلفت النظر إلى أن إرادة الشعوب لن تقهر رغم أنها وللأسف قد تم تحريفها عن مسارها الإنساني والحضاري، وأخيراً وليس آخراً، انضمت الثورة السورية إلى هذا الرکب لتبعث رسالة إنسانية وحضارية بليغة إلى العالم کله مفادها أن الثورة المنتمية للشعب کفيلة بجعل التغيير سلمياً وشفافاً على الرغم من کل المٶامرات والدسائس المحيطة بها.