جولةٌ في زواريب الثقافة.. أَلَمُ الذكريات مع الدكتور شوقي المعري .. “الحلقة١”

الثورة – حوار هلال عون:

يقول البعض من طلابه إنه سيبويه هذا العصر.. محبّته للغة العربية مذهلة لدرجة تجعله يتابع الأخطاء الموجودة في مناهجنا التعليمية، ويدعو بإلحاح إلى تصويبها.. ولا يتردّد في انتقاد أخطاء لغوية ونحوية تتضمّنها قرارات الوزارات والمؤسسات الحكومية، فيخاطبها طالباً توظيف مدققين لغويين لمراجعة القرارات والتعاميم قبل نشرها.. إنه أستاذ علوم اللغة بجامعة دمشق، صاحب ما يزيد عن مئة كتاب مطبوع، فيها الموسوعات والمعاجم، وصاحب مقالات “حديث الصباح” باللغة السرديّة الأدبية المدهشة.

تعالوا نتابع هذا الحديث الجميل مع هذا النابغة السوري، الدكتور شوقي المعري..

– مرحباً وأهلاً بكم دكتور شوقي في رياض صحيفة الثورة، التي يضوع عطرها أخّاذاً بوجودك.. يتحدّث كثيرون عن غربتك في وزارة الثقافة بوطنك، وأنت عالمٌ عَلَمٌ.. حدِّثنا عن علاقتك بوزارة الثقافة؟ ومتى بدأت؟ خبِّرنا قبل الدخول في تفاصيل وجزئيات كنت تلمح إليها كثيراً في كتاباتك؟ مع “أسامة” و”المعرفة”.

= تعود صلتي بوزارة الثقافة إلى عقود مضت، بدأتْ مع نشر مقالات وأبحاث في مجلتيها المعروفتين آنذاك “أسامة” و”المعرفة”.. ولما كنت أكتب للأطفال، ولاسيما المواد التعليمية، فقد بدأتُ النشر في مجلة أسامة، واقترحت عليهم زوايا مميزة بدأتُ النشر فيها قبل غيري؛ لأنني أنا من اقترحها ولتكون مادتي نموذجاً عن المطلوب كتابته.

وبعد أن كتبت كذا مادة، وبعد أن نالت الزوايا شهرتها، بدأ البعض بالغمز واللمز.. وبدأت الأقلام الرخيصة الصفراء تثرثر، وحجتهم: لا يجوز أن ينشر أحد في كل عدد، وكانت إجابتي للجميع نعم.. وأنا اقترحت الزاوية وفتحتْ إدارةُ المجلة الأبواب على مصاريعها، لكن لم يقدم أحدهم مادة.. إما لأنهم لا قدرة علميةً عندهم، وإما لأنهم يخافون من النقد.. المهم لا تركوني أكمل ولا هم شاركوا؛ فالقصد معروف.

ضحكٌ وحزنٌ وأسى

أما مجلة المعرفة، فقد كانت هي من طلب مني الكتابة في موضوعات تتصل باللغة الأدبية، أعني توظيف النحو واللغة في الشعر، فنشرت عدداً لا بأس به من المقالات والأبحاث، حتى بتُّ أنشر تقريباً كل عددين بحثاً، فتبعني الحاسدون الحاقدون بكلامهم إلى رئيس التحرير، كالعادة ولم يكتفوا برئيس التحرير، بل أوصلوا شكواهم إلى وزيرة الثقافة آنذاك، فأصدرت “فرماناً” يقضي بألاّ يجوز أن ينشر أحدهم في أي مجلة أكثر من ثلاث مرات.. فانتابتني موجة من الضحك على سخافة القرار، ونوبة من الحزن على ما وصلنا إليه، ونوبة ثالثة من الأسى على واقع ثقافي ازداد ترهلاً وفقراً.. فعلقت مرة: يُكثر خير كل من يكتب في المجلات المحلية التي لا تغطي (المكافأة الرمزية) أجر طباعة وتصوير وأجور نقل عامة لا خاصة.

فتوقفتُ عن الكتابة، علماً أن كل رئيس تحرير كان ينشر في العدد الواحد ثلاث مواد وأحياناً أربعاً، ولمن أراد أن يتأكد، فلينظر في فهرس المجلة.

باللّون الأخضر

– وبعد ذلك؟

= في تلك الفترة طُلِب من رئيس التحرير آصف عبد الله الأديب الخلوق (رحمه الله) أن يشكل هيئة تحرير جديدة، ففعل، ولكنها عادت إليه بعد شطب اسمي باللون الأخضر، مع العلم أنني لم أكن أعلم أنه وضع اسمي، وإلا كنت رفضت، لكنه أخبرني بعد رد الوزير آنذاك.. فقلت له: “الحمد لله على قولة غير المؤمن عندما وجد باب الجامع مغلقاً”.

الثقافة منهم براء

– ما أكثر موقف آلمك؟

= لم يؤلمني وحدي، أو لأقل كان ألمي ممزوجاً حسرة على ما وصلتْ إليه أخلاق الناس الذين يدعون الثقافة، والثقافة منهم براء، لأن الثقافة يجب أن تكون بأخلاق.. أقول: في تلك الفترة كنت أعمل على كتابي “رحلة علمية ترفيهية في الآثار السورية” وهو أفضل ما كتبته للأطفال، وهو الأول في بابه لم يسبقني إليه أحد، فقررت أن أنشره في مديرية الطفل في وزارة الثقافة، ليس من باب العجز المادي بل من باب مشاركتي في الدوائر الرسمية التي تعنى بالثقافة واللغة.. وأنا أطبع كتبي على حسابي الخاص.

قدّمتُ الكتاب للوزارة وصرت كل فترة أراجع الهيئة العامة حتى شككتُ، بل تأكدتُ من شكي في أن الوزارة لن تنشره.. ولما أعادتْ لي سعاد حمدان الكتاب، وهي خجلى لأنها طالبتي واعتذرتْ مما حصل، حملتُ الكتاب ودخلتُ إلى المدير العام، فعاجلني بالكلام بأن القارئ الثالث لم يرسل تقريره على الكتاب بعد، ولا أعلم كيف تمالكت أعصابي، فقلت له- وكنت تأبطّتُ الكتاب- لا يا سيد هذا الكتاب معي، وأخلاقي لم تسمح أن أقول له في وجهه إنك كاذب كغيرك من الذين قرؤوا الكتاب، وقبل أن أخرج قلت: لو نُشر الكتاب لرفع مستوى منشورات الوزارة وشرّفها؛ لأنه الأول في بابه.

فيتو وزارة الثقافة

– وهل ثمة مواقف مشابهة أخرى

؟= نعم لقد تكرر الموقف السابق بطريقة أكثر صلافة وأكثر كرهاً وبنفاق لا مثيل له كان عند عدد من مسؤولي وزارة الثقافة، ولا يزال البعض يعبث بها..

فبعد فترة من الزمان استدعاني الصديق قحطان طلاع للتفكير بسلسلة للأعلام للفتيان، فاقترحت عليه فوافق مباشرة وكلفني بكتابين مباشرة، الأول عن حنا مينه، والثاني عن عبد السلام العجيلي.. وكان أن ألّفتُ كتاب “حنا مينه” الذي كان الأول في هذه السلسلة.بعد ذلك حدث أمر ما لم أعرف سببه حتى الآن، ولكن ما أعرفه أن من منع الكتاب الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع هو شخص واحد، وكذلك الأبحاث التي كنت قدمتها لمجلة “المعرفة”. ويبدو أن قرار الحاقد الكاره كان أقوى من قرار أي مسؤول في الوزارة، فبعد أن وافقتْ الوزارة على كتاب عبد السلام العجيلي وقبضتُ (المكافأة الرمزية) أرسل الكتاب إلى المطبعة، وبقدرة حاقد توقفتْ الطباعة وكأن “فيتو” صدر من وزارة الثقافة أن لا تطبعوا الكتاب ولا أي كتاب آخر ولا تنشروا لفلان أي بحث.

“فضيحة بجلاجل”

– هل من كتاب آخر توقف نشره؟

= نعم، وقصة هذا الكتاب سميتها “فضيحة بجلاجل”، فقد كلفتني الوزارة تأليف كتاب عن أستاذي الدكتور “مسعود بوبو” بعد أن خيّرتني بين مجموعة أسماء، فقد اخترت الدكتور مسعود؛ لأنه من أساتذتي الذين أحترمهم وأحترم علمهم، ولأنني شاركته تدريس مادة “فقه اللغة” فكنت قريباً منه، وقلت أرد بعض الدين المترتب عليّ، لأنه اختارني من بين الجميع لأشاركه التدريس.كتبتُ الكتابَ وقدمتُه للوزارة، وكانت المسؤولة عن المديرية الصديقة السيدة سلام عيد، ولما راجعتها مرة اضطربتْ في الرد على بعض الأسئلة فشعرتُ أن الكتاب لم ينشر، ولما راجعت مرة ثانية سكرتيرة القسم، قالت لي: كلفتُ شخصاً غيرك وطبع الكتاب، فقلت لها: أظن أنه فلان، تفاجأت وجحظت عيناها، وأضفتُ: سأقول لك: الكتاب الذي صدر مسروق قبل أن أراه فجحظت أكثر، وقلتُ غداً سأحضر لك الكتاب الذي سرق منه.طلبتُ منها نسخة، وفي اليوم التالي أحضرتُ الكتابين وقلت لها تتبّعي معي.نعم الكتاب أُخذ كله حرفياً من كتاب “مسعود بوبو ذكرى ووفاء” الذي نشرتْه الهيئة العامة للموسوعة الكبرى.كتبتُ، لكنّ الوزارة أصمّت أذنيها وأعمت عينيها، بل أكثر من ذلك نقلتُ للمدير العام الجديد آنذاك السرقة الموصوفة، ولكن عبث.. فنشرتُ الكتاب على موقع إلكتروني تابع لدار أوس للنشر، وتوقف نشر بقية المعاجم.

ـ وهل من كتاب آخر مُنع؟

 = طُلب مني- في دائرة التراث- إنشاء سلسلة لغوية فاقترحت موضوعات وأبحاثاً تستحق النشر، منها سلسلة معاجم متخصصة، وعرضتُ على الإدارة سبعة معاجم متخصصة من “تاج العروس”.ونُشر الأول “معجم الأمراض والأطعمة” وتوقف نشر بقية المعاجم كما غيرها.

زواريب مفضوحة

– يعني أنت غير راض عن سياسة الوزارة؟

= بالتأكيد غير راض، لأن هذه السياسة التي كانت متبعة قد أساءت للوزارة كثيراً، وتحكّم بها أشخاص كانت المنفعة المادية هي ما يهدفون إليها.. فطبعت كتب مكررة وكُلِّف أشخاص بالكتابة لا يعرفون من الكتابة أصولها، ولكن ثمة أياد كانت تعبث، وكان لها دور في نشر ما سُمي كتباً، وهي لا تصلح أن تكون أبحاثاً.لقد استفاد البعض من نشر شيء ما ليكون في السيرة الذاتية، واستفاد كثيرون مالياً من المكافآت الكثيرة، وكانت لها زواريب مفضوحة..

في الحلقة القادمة: “… مجمع اللغة العربية”

آخر الأخبار
إصلاح محطة ضخ الصرف الصحي بمدينة الحارة صحة اللّاذقية تتفقد مخبر الصحة العامة ترامب يحذر إيران من تبعات امتلاك سلاح نووي ويطالبها بعدم المماطلة لكسب الوقت  الأونروا: إسرائيل استهدفت 400 مدرسة في غزة منذ2023 صحة طرطوس تستعد لحملة تعزيز اللقاح الروتيني عند الأطفال الأونكتاد" تدعو لاستثناء اقتصادات الدول الضعيفة والصغيرة من التعرفات الأميركية الجديدة إصلاح المنظومة القانونية.. خطوة نحو الانفتاح الدولي واستعادة الدور الريادي لسوريا التربية تباشر تأهيل 9 مدارس بحماة مركز لخدمة المواطن في سلمية الاستثمار في المزايا المطلقة لثروات سوريا.. طريق إنقاذ لا بدّ أن يسير به الاقتصاد السوري أولويات الاقتصاد.. د. إبراهيم لـ"الثورة": التقدّم بنسق والمضي بسياسة اقتصادية واضحة المعالم خبراء اقتصاديون لـ"الثورة": إعادة تصحيح العلاقة مع "النقد الدولي" ينعكس إيجاباً على الاقتصاد المحلي في ختام الزيارة.. سلام: تفتح صفحة جديدة في مسار العلاقات بين لبنان وسوريا  محافظ اللاذقية يلتقي مواطنين ويستمع إلى شكاويهم المصادقة على عدة مشاريع في حمص الأمن العام بالصنمين يضبط سيارة مخالفة ويستلم أسلحة مشاركة سوريا في مؤتمر جنيف محور نقاش مجلس غرفة الصناعة منظومة الإسعاف بالسويداء.. استجابة سريعة وجاهزية عالية صدور نتائج مقررات السنة التحضيرية في ظل غياب الحل السياسي.. إلى أين يتجه السودان؟