الثورة – رسام محمد:
يردد جميعنا عبارة “منازل دمشق هي الأغلى في العالم” وهذه حقيقة، فما زلنا نسمع عن أسعار خيالية تصل إلى 10 مليارات وأكثر، لبيوت تقع في مناطق مثل “المالكي وكفرسوسة”.
ولطالما استرقنا النظر لتلك الأبنية وارتبطت بشريحة قليلة جداً من المواطنين، تتمثل بأصحاب المناصب-الطريق الأسهل لجمع الثروة_ ورجال الأعمال وبات امتلاك مسكن طموحاً بعيداً.
فهل حان الوقت لأن يمتلك أصحاب الدخل المحدود مسكناً، وما أسباب هذا الارتفاع وماهي الإجراءات التي يمكن من خلالها أن تتدخل الدولة لتصحيح سوق العقارات في سوريا؟.
سوق متصاعدة..
يقول الخبير الاقتصادي د.عمار يوسف لـ”الثورة”: إن ربط العقار بالدخل أي أن يتناسب سعر العقار مع الدخل ليستطيع أصحاب الدخل المحدود شراء بيت يعد أمراً مستحيلاً، فإذا ما أراد الموظف شراء منزل فأنه يحتاج إلى 300 عام لجمع ثمنه دون طعام أو شراب في حال بقيت الأسعار على حالها!؟
ويوضح أن أسباب الغلاء تعود إلى زيادة الطلب على العرض مما يؤدي إلى الندرة وخاصة في أماكن محددة،فالحل بحسب الخبير الاقتصادي هو بإجراءات عديدة تبدأ بزيادة العرض على الطلب يليها التدخل من قبل المصارف لتأمين قروض البناء والإكساء والشراء، فالمصارف متوقفة عن منح قروض عقارية منذ نحو 7 سنوات.
ويشير إلى أهمية تغيير النظرة الاستراتيجية بالنسبة لموضوع العقار وتحويله إلى وسيلة للسكن فقط بدلاً من كونه للاستثمار أو الإدخار أو الائتمان كما هو منذ عقود وضرورة تعديل مجموعة من القوانين كما بإمكان الدولة التدخل من خلال ذراعها التنقيذية( المؤسسة العامة للإسكان) وعلى حد تعبيره كل هذه الإجراءات تدخل في طور الأحلام!؟
تضخم سكاني
ورأى أن تزايد عدد سكان العاصمة في الآونة الأخيرة ساهم بارتفاع الأجارات في الوقت الذي بقيت الأسعار على حالها، فالجمود في السوق هو جمود مطلق نظرا للظروف القائمة حاليا أهمها إغلاق”الطابو” والسجلات العقارية وتذبذب سعر الصرف وعدم توفر الأمان بالنسبة لكل من البائع والمشتري، ومن الملاحظ أن الوافد لا يأت ليشتري بل ليطلع على وضع البلد وبناءً عليه يقرر.
وفيما إذا كان الوقت مناسب للإستثمار العقاري في سوريا يؤكد على أن كل الأوقات مناسبة فسوريا على مدى عقود طويلة كان هذا الإستثمار في العقارات هو الوحيد الذي لا يخسر.
أثر الاتفاقيات
أما فيما يتعلق بالإتفاقيات الأخيرة وتأثيرها على هذا السوق، فلا تأثير يذكر لأنها مذكرات تفاهم وبالتالي عندما تتحول إلى اتفاقيات ويدخل مال إلى البلد، عندها نستطيع أن نحكم ما إذا كانت مؤثرة أم لا وفق ما يراه الخبير الإقتصادي.
من جهته أكد الخبير الإقتصادي يحيى السيد عمر لـ”الثورة” أن أزمة العقارات في البلد أزمة قديمة متجددة،تعود لعدة عقود، وتحديداً لبداية السبعينيات من القرن الماضي، فقد أهملت حكومة النظام المخلوع منذ السبعينيات في الأرياف والمدن الصغيرة، ما شجّع الهجرة إلى المدن، فارتفع الطلب على المنازل، وشهد هذا القطاع تضخماً متسارعاً.
كما أن عدم قيام النظام المخلوع بالتخطيط وتنظيم المدن،ساهم بإنتشار العشوائيات، ما سمح بظهور سوق غير منظمة للعقارات ،فالقانون العقاري القديم عرقل نموّ هذه السوق، فبعض قضايا العقارات كانت تبقى عشرات السنوات في المحاكم من دون البتّ بها، كل هذا جعل من قطاع التطوير العقاري عبئاً على الدولة والمجتمع، بدلاً من أن يكون رافعة للاقتصاد، بحسب الخبير الاقتصادي.
ويقول: حتى قبل عام 2011م كانت الأزمة واضحة، ففي عام 2010م كانت دمشق ثامن أغلى مدينة في العالم من حيث أسعار العقارات،وجاءت الأزمة عام 2011 لتفاقم المشكلة فدمرت ملايين المساكن مِن قِبَل النظام المخلوع، مضافاً إليه التراجع الحادّ في الدخل عزّز من الأزمة.
وأشار إلى أنه وفقاً لتقرير “نامبيو” تُعدّ سوريا عموماً، ودمشق على وجه الخصوص، أغلى مدينة في العالم من حيث سعر العقارات، فأسعار بعض المنازل في ضواحي دمشق تصل إلى مليار ليرة سورية، بينما دخل الموظف 400 ألف ليرة شهرياً، فالفجوة كبيرة جداً بين الدخل والسعر.
وأوضح السيد عمر أن علاج أزمة العقارات يحتاج إلى وقت طويل نسبياً؛ لأنها مرتبطة بالبدء بإعادة الإعمار، وتحسين مستوى الدخل، ومعالجة العشوائيات، وتنظيم المدن بشكل سليم.
أما بخصوص تأثير تغير سعر الصرف على أسعار العقارات، فالتأثير محدود نسبياً، وعند تحسن قيمة الليرة من الملاحظ أن التحسن سيكون محدود جداً.
والسبب بحسب الخبير الاقتصادي، أن تسعير العقارات لا يتم وفق معيار التكلفة أو معيار هامش الربح، بل يتم وفق مبدأ العرض والطلب. لذلك عودة التسعير المنطقي يتطلب توازن العرض والطلب؛ من خلال توفير عدد كبير من المساكن اعتماداً على استثمارات كبيرة في سياق إعادة الإعمار.